في اليوم العالمي لحرية الصحافة: المهنة تحت الحصار والحبس الاحتياطي عقوبة نقل الحقيقة

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter

بينما يحتفل العالم بالذكرى الثانية والعشرون لليوم العالمي لحرية الصحافة للتأكيد على الالتزام الدولي بقيم حرية الرأي والتعبير وصيانة حق الصحفيين في العمل في بيئة مهنية صحية وآمنة، تعاني الجماعة الصحفية في مصر من صعوبات وتحديات غير مسبوقة في تاريخها الحديث من تأثر واضح بخطاب الاستقطاب السياسي وبالتضييقات الأمنية والقضائية المستمرة على عمل الصحفيين، وبتهديدات الحبس والاعتقال والاستهداف المباشر، وكذا التدخلات المستمرة من الجهات الأمنية في تعديل وحذف مقالات الرأي والتحقيقات الصحفية المعارضة لسياسات الدولة أو الكاشفة لحجم التجاوزات بها، وهو ما يؤكد على عدم جدية الحكومة في احترام تعهداتها الدولية بحماية الحق في حرية الصحافة والإعلام حتى لوسائل الإعلام المتبنية لخطاب إعلامي متقارب مع توجهات القيادة السياسية.

فقد أشارت المؤسسة في تقريرها السنوي الصادر مؤخرًا عن أوضاع حرية الرأي والتعبير في مصر لعام 2014م أن نمط اصطفاف وسائل الإعلام المختلفة مع الدولة في حربها على الإرهاب “ساهم في زيادة رقعة التأييد لسياسات النظام من خلال تبني خطاب تعبوي مساند للدولة نشأ عنه استمرار سياسة “الإقصاء” وتكميم أفواه المعارضين لضمان خلو الخطاب الإعلامي مما يمكنه أن يعكر صفو النظام أو يظهر تباينًا في المواقف بين وسائل الإعلام هذه وبين القيادة السياسية”، وهو ما انعكس بوضوح على مؤشرات حرية الصحافة في مصر في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2015م.

ففي مؤشر خطير على تدهور أوضاع الجماعة الصحافية في مصر، شهدت الشهور الأربعة الأولى فقط من عام 2015م تسجيل باحثي المؤسسة لمائة وستة عشر حالة انتهاك (116) ضد صحفيين تنوعت بين الاعتداءات البدنية والاحتجاز والحبس والإصابة الجسدية والمنع من أداء العمل، تم ارتكابها على يد بعض ممثلي الأجهزة أمنية ومسئولين حكوميين إلى جانب المدنيين والأهالي، فيما أنذر بتردي أوضاع الصحافة في مصر أكثر بعد أن صنفت مؤسسة “مراسلون بلا حدود” مصر في المرتبة المائة وتسعة وخمسون 159 (من أصل 180 دولة) في مجال حرية الصحافة لعام 2014م.

وبالتعرض أكثر لتفاصيل هذه الانتهاكات، سنلاحظ انحسار النطاق الجغرافي للانتهاكات في القاهرة والمحافظات الكبرى بمائة 100 انتهاك تنوعت بين 43 حالة منع من العمل و19 حالة احتجاز و20 حالة اعتداء بدني إلى جانب تسجيل 7 حالات إصابة لصحفيين و5 حالات حبس، كان للأجهزة الأمنية فيها الإسهام الأكبر ب60 انتهاك بالإضافة ل13 انتهاك من جانب المدنيين والأهالي، ما يؤكد على النتيجة الحتمية لاستمرار قطاع كبير من وسائل الإعلام والصحف ذاتها في تبني هذا الخطاب السلطوي المقيد لحرية الصحافة من شيوع ثقافة معاداة الصحفيين والمصورين مجتمعيًا والتعرض لهم وإعاقتهم عن أدائهم لمهام عملهم الصحفي، بحيث بات الاعتداء على الصحفيين واستهدافهم طقسًا معتادًا في كل التظاهرات والفعاليات الاحتجاجية، الأمر الذي بات يؤكد أن مستقبل مهنة الصحافة في مصر بات في خطر حقيقي حال بقاء الأوضاع على ما هي عليه.

ومع استمرار هذا النمط السلطوي في إدارة المشهد الصحافي في مصر واستمرار التدخلات المستمرة في عمل الصحفيين من جانب أجهزة الدولة، فقد شهد شهر مارس الماضي تقدم وزارة الداخلية ببلاغ ضد رئيس مجلس إدارة جريدة “الدستور” ورئيس تحريرها اتهمهما فيه “بإهانة هيئة نظامية وهي وزارة الداخلية، وتكدير السلم العام، ونشر مقالات تتضمن أمورًا من شأنها التأثير على رجال القضاء والنيابة” بعد قيام الجريدة بنشر تحقيقٍ صحفي حول تجاوزات بعض الضباط في الكمائن المرورية، أحيل على إثرها الصحفيين إلى جانب الصحفي صاحب التحقيق “حسين عبد الحليم” إلى التحقيق بنيابة شمال القاهرة قبل أن تقرر المحكمة إخلاء سبيل “رضا إدوارد” و “سعيد وهبة” بكفالة 5000 آلاف جنيه، وتعيد “حسين عبد الحليم” إلى محبسه على خلفية صدور أحكام غيابية ضده في قضايا جنائية، على الرغم من تأكيد الجريدة على خلو صحيفة الحالة الجنائية للصحفي من أي أحكام جنائية سابقة على عمله بالجريدة.

وفي نفس السياق، فقد استدعت نيابة أمن الدولة العليا “محمود مسلم” رئيس تحرير جريدة “المصري اليوم” إلى جانب “يسري البدري” الصحفي بالجريدة، للتحقيق معهما فى البلاغ المقدم من وزارة الداخلية ضدهما، حول الملف الذي نشرته الصحيفة تحت عنوان “ثقوب في البذلة الميري” تناول بالتفصيل بعضًا من تجاوزات وزارة الداخلية، والذي أكد البلاغ أنه «تضمن معلومات منافية للحقيقة وكاذبة من شأنها التأثير على الأمن العام»، الأمر الذي أثار موجة من الانتقادات ودفع نقابة الصحفيين للرد رسمياً على بلاغ وزارة الداخلية بالإشارة إلى أن بيان وزارة الداخلية للتعليق على تحقيق المصري اليوم ” لا يمكن وصفه إلا بأنه محاولة من الجهات التنفيذية للتضييق على حرية الصحافة، مبدية قلقها من توسع الجهات التنفيذية في تقديم بلاغات ضد الجماعة الصحفية “ما قد يفتح بابًا جديدًا لمصادرة حرية الصحافة في مصر”.

إلى جانب ذلك، فقد تمت مصادرة عدد جريدة “الوطن” بتاريخ 11 مارس الماضي بسبب احتواءه على تحقيق تناول تهرب عدد من الوزارات والجهات السيادية من دفع الضرائب المفروضة عليها، حيث أشارت بعض المواقع الإخبارية إلى تدخل “جهات أمنية” لوقف طبع الجريدة لحين حذف التحقيق، ما يؤكد على شيوع نمط التدخل الفج في أعمال وفي اتجاه القيادة الأمنية لتقييد حق الصحفيين في نشر المعلومات وتداولها.

وفي سياق متصل، فقد لاحظ باحثو المؤسسة استمرار نمط الجهات التنفيذية والقضائية في التوسع في حبس الصحفيين احتياطيًا على ذمة قضايا جنائية حتى وصل عدد الصحفيين المحبوسين على ذمة قضايا تتعلق بأدائهم لعملهم الصحفي منذ تاريخ 30 يونيو 2013م إلى “7 صحفيين”، بالإضافة إلى الحكم بحبس 3 آخرين في القضية المعروفة إعلاميًا “بغرفة عمليات رابعة” وإخلاء سبيل اثنين آخرين على ذمة القضية المعروفة باسم “خلية الماريوت” علمًا بأنهم قد صدر ضدهم حكمًا سابقًا بالسجن لمدد تصل إلى عشر سنوات على خلفية اتهامهم بحيازة تسجيلات تتضمن ترويجًا لأغراض جماعة إرهابية وبإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، ما دعا لجنة حماية الصحفيين لوضع مصر ضمن قائمة الدول الأكثر خطورة في ممارسة مهنة الصحافة لعام 2013م.

فعلى الرغم من المناشدات الدولية ومطالبات الجهات المختلفة بالإفراج عن الصحفيين المحبوسين لانتفاء دواع ومسببات إبقائهم رهن الحبس الاحتياطي ولعدم إحالة قضايا بعضهم –إلى الآن- إلى المحاكمة الجنائية، إلا أن هذه المناشدات لم تلق صدى واسعًا لدى المسئولين على الرغم من الوعود المتكررة بدراسة أوضاع الصحفيين المحبوسين ونقلهم لسجون أخرى لتسهيل رعايتهم صحيًا بعد انتشار أخبار عن تدهور أحوال بعض الصحفيين المحبوسين المصابين بأمراض مزمنة وتعرض البعض الآخر لسلسلة من وقائع التعذيب.

ففي تقرير سابق “لمؤسسة حرية الفكر والتعبير” بعنوان “هل تصبح الصحافة جريمة في مصر؟“، أشار باحثو المؤسسة إلى استمرار أجهزة الدولة التنفيذية في التوسع في تفعيل النصوص القانونية التي تجيز حبس الصحفيين وإحالتهم للمسائلة الجنائية عقابًا لهم على نقلهم لأحداث ووقائع معينة، مسلطة الضوء على أوضاع 7 صحفيين محبوسين لا يزال اثنان منهم محبوسين احتياطيًا فيما تمت إدانة 3 آخرين بأحكام مشددة.

بحلول يوم 3 مايو المقبل، يكون قد مر على المصور الصحفي “محمود شوكان”627 يومًا بالحبس الاحتياطي بعد إلقاء القبض عليه أثناء فض قوات الأمن لاعتصام ميداني “رابعة العدوية” و “النهضة”، ويكون مر على الصحفي “أحمد فؤاد” -مراسل موقع كرموز الإخباري- 463 يومًا المحبوس احتياطيًا على خلفية قيامه بتغطية الاشتباكات في أحداث الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، كما يكون قد مر أكثر من 150 يومًا على احتجاز الصحفيتين “سمر حسن” و “فريدة علي” و “محمد علي حسن” و”حسن القباني“على خلفية اتهامهم بنشر وإذاعة أخبار كاذبة، في حين قضى المصور الصحفي “أحمد جمال زيادة” 485 يومًا رهن الحبس الاحتياطي إلى أن برأته محكمة جنايات شمال القاهرة الأسبوع الماضي من التهم الموجهة إليه بالاشتراك في حرق مبنى كلية “التجارة بجامعة الأزهر”، في إشارة كافية لحجم الصعوبات والمعوقات التي باتت تواجه الجماعة الصحفية في مصر.

ولذا فإن “مؤسسة حرية الفكر والتعبير” تتوجه إلى وزارة الداخلية وإلى النائب العام بضرورة إعادة فتح ملف الصحفيين المحبوسين وإخلاء سبيل الصحفيين والمصورين المتهمين في قضايا جنائية لم يثبت عليهم فيها الاتهامات الموجهة لهم، وكذا فتح تحقيقٍ عاجلٍ وشفافٍ في ملف مقتل الصحفيين “ميادة أشرف” و”مصعب الشامي” و “الحسيني أبو ضيف” وإعلان نتائج التحقيق في أقرب وقت، وإعادة النظر في حزمة التشريعات والقوانين الناظمة لممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير من خلال الإسراع في إصدار تشريعات جديدة لتنظيم عمل الصحافة والإعلام في مصر بما يتماشى مع التزامات مصر الدولية بحماية حرية الصحافة والإعلام وحماية الحق في حرية تداول المعلومات، والتوقف عن سياسة استهداف الصحفيين والإعلاميين من خلال الكف عن التدخلات الأمنية في تحديد المحتوى الصحفي وفرض رقابة مشددة على عمل الصحفيين، وأخيرًا وضع ضمانات أوسع لضمان سلامة الصحفيين وأدائهم لمهام عملهم بشكل آمن وصحي.

 

 

Untitled-1

محتوى المدونة منشور برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 4.0