بخصوص أرشيف «سري جدًا» و«سري للغاية»: أين ذهبت وثائق أمن الدولة؟

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter

في 12 يونيو 2013، قضت محكمة جنايات الجيزة، ببراءة 41 من قيادات وزارة الداخلية، وعلى رأسهم حسن عبد الرحمن، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق، والمتهمين بفرم وحرق وإتلاف مستندات جهاز أمن الدولة.

تعود وقائع هذا الحكم لما قبل سبع سنوات، وتحديدًا لمارس 2011، عندما تدوولت أخبار تُفيد بشروع ضباط جهاز أمن الدولة في التخلُّص من الوثائق والمستندات التي تمثِّل مجمل الأرشيف القمعي لأحد الأجهزة الأمنية المتخصصة والمسؤولة بالدرجة الأولى عن المعلومات في وزارة الداخلية. وهو ما تسبب في خروج دعوات من مجموعات شبابية وحركات سياسية حينها لإنقاذ ما تبقى من المستندات والوثائق في المقار المختلفة لجهاز مباحث أمن الدولة.

بعيدًا عن الحكم وما اعتمد عليه في تفسير الوقائع، وبعيدًا عما اطمأنت له المحكمة حتى تصدر هذا الحكم، يُركِّز هذا المقال على مصير أرشيف أمن الدولة، من واقع أوراق القضية المعروفة إعلاميًا بـ «فرم مستندات أمن الدولة»، كما يحاول المقال البحث عن إجابات لمجموعة من اﻷسئلة في التحقيقات، وُجهت للمتهمين في القضية (من قيادات وزارة الداخلية من قبل النيابة العامة وقاضي التحقيق)، ومن بين أبرز تلك الأسئلة:

من المسؤول عن قرار فرم وإتلاف المستندات؟ ما الذي حدث لتلك المستندات؟ وأين ما تبقى منها؟

على أن تُترك تفاصيل أكثر عن هذا الحدث ورواية من شاركوا فيه إلى تقرير ساهمت في كتابته صدر مؤخرًا عن مؤسسة حرية الفكر والتعبير تحت عنوان «وقائع فرم مستندات أمن الدولة».

من أصدر التعليمات؟

في 23 فبراير 2011 وردت معلومات إلى وزارة الداخلية بأن هناك اتجاهًا لاقتحام مقرات أمن الدولة في مختلف المحافظات، كما وردت معلومة بأن هناك احتمالًا لاقتحام مقر أمن الدولة بمحافظتي المنوفية والغربية. ونتيجة لهذه المعلومات أصدر محمود وجدي، وزير الداخلية في ذلك الوقت، تعليمات لرئيس قطاع أمن الدولة، اللواء حسن عبد الرحمن، بتنفيذ ما صدر في الكتب الدورية والتعليمات الخاصة للمحافظة على اﻷوراق والمستندات في الحفظ وعند تداولها والحفاظ عليها وحماية المقار من أي اقتحام.

ولكن على خلاف تعليمات وزير الداخلية، أصدر اللواء حسن عبد الرحمن، رئيس الجهاز في ذلك الوقت، تعليماته بتاريخ 24 فبراير 2011، حيث طلب التخلص من أرشيف المكاتب الفرعية التابعة للإدارات والفروع، وكذلك التخلص من أرشيف «سري للغاية» الموجود باﻹدارات والفروع، وذلك وفقًا ﻷقواله في التحقيقات، حيث أوضح أن سبب ذلك «أرشيف سري للغاية يتضمن معلومات على درجة عالية من السرية، وكلها محفوظة باﻷرشيف المركزي، وخروجها وتسريبها يمثل مساس باﻷمن. علشان كدة قررنا أن نقصر الاحتفاظ على اﻷرشيف المركزي بالجهاز، لكن كل ما هو موجود باﻹدارات موجود أصله بأرشيف الحفظ المركزي بمقر الجهاز».

ويشير حسن عبد الرحمن أن التعليمات التي أصدرها عُرضت على وزير الداخلية، كما أنها صدرت بناءً على مطالبة الوزير بعدم الاحتفاظ بالتقارير الهامة واﻷوراق الهامة بالمكاتب ومقرات الفروع، والاكتفاء بأصول هذه اﻷوراق الموجود بالمقر الرئيسي بمدينة نصر، في مخالفة لما أقره وزير الداخلية أمام قاضي التحقيق، حيث قال: «لم يُعرض عليّ أي اقتراحات تتضمن ما ورد بهذا الكتاب، ولم أعلم به إطلاقًا إلا بعد تركي الوزارة ومن الصحف».

ما مصير أرشيف «سري للغاية» بمحافظتي القاهرة والجيزة؟

في البداية أود التأكيد على أن هناك نظامًا رسميًا معمولًا به داخل جهاز أمن الدولة حول آليات «الدشت»، أي عملية التخلُّص من الأرشيف الأمني لبعض الوثائق والمستندات، طبقًا لأهمية الأرشيف المقصود ودرجة سريته، حيث يؤكد اللواء محمد جمال الدين أن جميع المستندات الموجودة في اﻹدارة لا تخضع لإجراءات الدشت أو الإعدام لأنها بمثابة تراث تاريخي ﻷعمال الجهاز، باستثناء ما كان منها عديم اﻷهمية، مثل أوراق تصاريح العمل وجوازات السفر الفاقدة أو التي جرى تجديدها، بعد استنفاد الغرض منها.

أما عن طريقة التخلص من اﻷوراق عديمة اﻷهمية، فتجري تباعًا بلا مدة محددة، فقد يجري «الدشت» كل ثلاث شهور أو سنة، حسب الحاجة. ولكن لدى إجرائه، يلزم حصر المستندات المطلوب إعدامها في كشف يُسمى «كشف اﻹعدامات». ومن يعد هذا الكشف هم المسؤولون بكل مجموعة، عن طريق لجنة برئاسة ضابط الأرشيف، أو من خلال مجموعة مختصة تُشكَّل لهذا الغرض، ويُعرَض الكشف على رئيس المجموعة في البداية ﻷخذ الموافقة على عمليات اﻹعدام، ثم يُعرض على رئيس اﻹدارة، وبعد أخذ الموافقات اللازمة تُعدم المستندات المبينة بالكشف عن طريق الفرم بواسطة المفارم الموجودة بمقر الجهاز، ويُحفظ الكشف في الملف الخاص بذلك في مجموعة الوثائق بالأرشيف.

أما بخصوص عمليات الفرم أو الإتلاف التي تعرَّض لها أرشيف «سري للغاية»، وردًا على طلب قاضي التحقيق بالاستعلام عما إذا كان أرشيف «سري للغاية» الخاص بإدارتي مباحث أمن الدولة (بحلوان والقاهرة)، قد سُلّم لرئاسة جهاز مباحث أمن الدولة السابق من عدمه، وفي حال تسليمه، فأين بيان المستلم ومكان التحفظ عليه حاليًا.

فقد أرسل مساعد وزير الداخلية، رئيس قطاع اﻷمن الوطني آنذاك مجدي عبد الغفار، في 19 يونيو 2012، خطابًا لقاضي التحقيق يفيد بأنه «تشكّلت لجنة من السادة اللواءات السابق عملهم بجهاز أمن الدولة، ومن العاملين الحالين بقطاع اﻷمن الوطني ممن كان لهم صلة بالموضوع محل الفحص».

تضمن الخطاب ما انتهت إليه أعمال اللجنة المشكلة من اللواء خالد ثروت، وكيل اﻹدارة العامة بجهاز مباحث أمن الدولة السابق، واللواء معتصم مراد، مدير اﻹدارة العامة بجهاز مباحث أمن الدولة السابق، واللواء هشام زهران مدير اﻹدارة العامة للمعلومات الحالي بقطاع اﻷمن الوطني، حيث جاء رد اللجنة في عدة نقاط:

– أكد السيد اللواء خالد أنه، باعتباره أقدم الضباط باﻹدارة العامة لمباحث أمن الدولة بالقاهرة في ذلك الحين، وفي ضوء ورود معلومات باعتزام المتظاهرين اقتحام مقر اﻹدارة، استأذن اللواء عاطف أبو شادي نائب رئيس الجهاز في هذا الوقت بنقل أرشيف اﻹدارة لمقر جهاز مباحث أمن الدولة بمدينة نصر لتأمينه، وجرت عملية النقل مساء يوم 4 مارس 2011 واستمرت حتى صباح يوم 5 مارس 2011 حيث حضرت أربع سيارات لوري تابعة لمديرية أمن القاهرة ونقلت اﻷرشيف لمقر الجهاز السابق، وجرى عقب ذلك اقتحام مقر الجهاز واستلام المقر بمعرفة القوات المسلحة.

– أشار السيد اللواء معتصم مراد، مدير اﻹدارة العامة للأمن بجهاز مباحث أمن الدولة، إلى أنه تلقى اتصالًا من السيد اللواء عاطف أبو شادي نائب رئيس الجهاز في ذلك الوقت، حيث قرر له سيادته أن عددًا من سيارات اللوري ستأتي للجهاز من اﻹدارة العامة لمباحث أمن الدولة بالقاهرة وبها اﻷرشيف، ثم تلقى اتصالًا من ضابط اﻷمن المسؤول عن بوابات الجهاز يفيد بوصول السيارات اللوري المشار إليها، دون معرفة ما بداخلها، وسُمح لها بالدخول ولكن لم يستلمها أحد أفراد اﻷمن باعتبارهم غير مختصين بذلك. وكانت إدارة اﻷمن تتولى التنسيق مع القوات المسلحة بشأن تأمين الجهاز، على ضوء المعلومات الخاصة باحتمالات اقتحامه.

– أكد السيد اللواء هشام زهران أنه بمراجعة رئيس مجموعة المعلومات خلال تلك الفترة، العميد حاتم صلاح، والمنتدب حاليًا لوزارة الخارجية،  فقد نفى الأخير إخطاره أو التنسيق معه من قبل اﻹدارتين المشار إليهما في ذلك الوقت حول استلام أو وصول أرشيفهما.

وعندما عاينت النيابة العامة المقر الرئيسي للجهاز، تبين لها وجود كميات ضخمة جدًا من المستندات التي جرى دشتها «فرمها». وردًا على ذلك يقول اللواء هشام عبد الفتاح أبو غيدة أمام النيابة العامة: «من حوالي شهر تقريبًا صدر قرار من رئيس الجهاز السابق اللواء حسن عبد الرحمن بالتخلص من بعض المستندات، وبعض الفروع بدأت في تنفيذ ذلك، ولكن لم تستطع لضيق الوقت فأرسلت إلينا في المقر الرئيسي لفرم اﻷوراق بمعرفة اﻹدارة». ويقول أيضًا: «غالبًا تم الرجوع في ذلك اﻷمر لرئيس الجهاز السابق، وهو الذي أمر بإرسال اﻷوراق التي لم تستكمل المقار الفرعية دَشْتَها إلى المركز الرئيسي، لدشت تلك اﻷوراق بالمركز الرئيسي مع ضمان تأمين وصول تلك المستندات إلى المركز الرئيسي».

تولت إدارة الحفظ والمعلومات برئاسة اللواء محمد جمال عملية دشت المستندات التي جرى إرسالها، هكذا قال اللواء هشام عبد الفتاح أمام النيابة العامة.

وعن نوع المستندات التي جرى دشتها يوم اقتحام المقر الرئيسي للجهاز، والتي تبين وجودها لدى معاينة النيابة العامة للمقر الرئيسي، يقول اللواء هشام عبد الفتاح: «بصفة عامة، فجميع اﻷوراق التي جرى دشتها بمقر الجهاز هي أوراق غير هامة وماقدرش أحددها، وهي معظمها تقارير متابعة ومكاتبات، ونظرًا لحالة الهجوم على مقر الجهاز فلا يتم تحرير محضر بأعمال الدشت على ما أعتقد».

وكما تشير المعاينة اﻷولى للنيابة العامة  يوم 5 مارس 2011، فقد ورد في محضر المعاينة على لسان أعضاء النيابة أنه تبين «وجود الكثير من اﻷوراق والملفات واﻷدوات وأجهزة حاسب آلي قام المتظاهرون بتجميعها داخل جهاز أمن الدولة، فقمنا بتجميع اﻷوراق والملفات والمستندات وبعض أجهزة الحاسب اﻵلي، وقمنا بوضعها داخل سيارتين خاصتين بالقوات المسلحة، وقمنا بالتوجه رفقة السيارتين بما تم التحفظ عليه، لسرايا النيابة مرة أخرى تحت حراسة القوات المسلحة وقمنا بالتحفظ على جميع اﻷوراق… وتم تعيين حراسة عليها من قبل القوات المسلحة».

– ما الذي حدث للمستندات بمقار الجهاز بالمحافظات؟

طبقًا للظرف، فقد كانت هناك أشكال مختلفة من التعامل مع المستندات والوثائق المحفوظة بمقار جهاز أمن الدولة بالمحافظات، لكن هذه الإجراءات أتت في مجملها في إطار تنفيذ تعليمات رئيس الجهاز الأسبق، اللواء حسن عبد الرحمن، بالتخلُّص من أرشيف «سري جدًا» و«سري للغاية».

ومن متابعة تفاصيل القضية، يمكننا أن نحاول توضيح نماذج التخلُّص من الأرشيف الأمني بمقار الجهاز في المحافظات، وكذلك التعرُّف على نماذج لتراتبية وآلية اتخاذ قرارات الفرم والدشت بحق الوثائق والمستندات التي تُمثِّل أرشيف القمع الأمني بتلك المحافظات.

تلقت اﻹدارات بالفروع والمحافظات التعليمات الكتابية الصادرة عن رئيس الجهاز، والمتعلقة بالتخلص من اﻷوراق والمستندات وأرشيف «سري جدًا» الموجود لديها، كما تلقت تعليمات شفاهية من مكتب رئيس الجهاز بالتخلص من أرشيف «سري للغاية» كذلك. وبالفعل بدأت الفروع واﻹدارات بالتخلص من المستندات عن طريق الفرم والحرق في أحيان أخرى.

فعلى سبيل المثال، في فرع الجهاز بمحافظة الدقهلية، يشير اللواء غازي الدسوقي مفتش مباحث أمن الدولة بالدقهلية سابقًا، أنه بتاريخ 26 فبراير 2011، تلقى تعليمات عبر الفاكس من اللواء حسن عبد الرحمن، مساعد أول وزير الداخلية، تتضمن إلغاء أرشيف «سري للغاية»، وإعدام محتوياته عن طريق الفرم، وقال: «قمت بالتأشير عليه للعميد ناصر فتوح، رئيس مجموعة المعلومات ووكيل اﻹدارة، لاتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ التوجيه بالتنسيق مع رؤساء المكاتب الخارجية، وأوضحت له أهمية الموضوع وضرورة سرعة التصرف فيه نظرًا للأحداث الجارية».

وقال أيضًا أن التعليمات كانت «في ظروف استثنائية، وعدم تنفيذ التعليمات في تلك الظروف التي وردت من رئيسي مباشرة كان سيؤدي إلى مساءلتي القانونية أو اﻹدارية أو التأديبية، ولم يكن إعدام تلك المستندات بقصد إخفاء جريمة معينة، وإنما كان لحماية المعلومات الواردة بها والمصادر التي كانت تتعامل مع الجهاز، خاصة وأن تسريب تلك المعلومات كان سيؤدي إلى إحداث الفتن، لما تتضمنه من أسماء لأشخاص أشهروا  إسلامهم، وتسرُّب تلك اﻷسماء قد يؤدي إلى فتنة بمنطقة سكنهم».

وتنفيذًا للتعليمات، بعد تأشير اللواء غازي الدسوقي باتخاذ التدابير اللازمة، قام العميد ناصر عبد العظيم إبراهيم فتوح، ضابط بإدارة مباحث أمن الدولة بالدقهلية سابقًا، بإبلاغ الرائد أحمد عاطف، ضابط اﻷرشيف، بتحديد الملفات واﻷوراق المعنية باﻹلغاء، وهي أرشيف «سري للغاية»، ليفرم الأخير تلك الملفات بمساعدة بعض العاملين باﻷرشيف.

وفي فرع جهاز مباحث أمن الدولة بالبحر اﻷحمر يشير العميد باﻷمن الوطني، فهمي محمد فهمي مجاهد مدير إدارة السويس، أنه تلقى تعليمات عبر الفاكس من رئيس الجهاز، وأيضًا من خلال اتصال تليفوني من العميد حاتم صلاح المسؤول عن المعلومات برئاسة الجهاز، تفيد بضرورة  إعدام أرشيف «سري للغاية». واستجابة لتلك التعليمات، أشّر على الفاكس للمقدم طارق بصفته المسؤول عن الأرشيف والمعلومات بالفرع لتنفيذ التعليمات، ونفذ اﻷمر فيما يخص «سري للغاية» عن طريق الفرم.

أما فيما يخص أرشيف «سري جدًا»، فيقول العميد فهمي أمام قاضي التحقيق: «أرشيف سري جدًا لا يقل أهمية عن أرشيف سري للغاية، لأن أرشيف سري جدًا أقل مكاتبة فيه مثل مكاتبات استطلاعات الرأي، وهي تمثل من يتم استطلاع الرأي لهم، ابتداء من السجلات التجارية حتى استطلاع الرأي للشخصيات التي يتم تعيينها في وظائف هامة حتى الدرجة الرابعة، وأرشيف السري جدًا يحتوى على بيانات شخصية عن الكثير من المواطنين. من ضمن المستندات التي يحتويها السري جدًا الأشخاص الذين أشهروا إسلامهم، ولتلك اﻷهمية قمنا بالتخلص منه بناء على تعليمات سابقة».

أما بخصوص من أصدر تعليمات بإعدام أرشيف «سري جدًا»، يقول فهمي: «صدرت التعليمات من العميد أسامة الفقي، مدير مكتب اللواء حسن عبد الرحمن، وهي وردت على مرتين في عهد اللواء حسن عبد الرحمن، بأن تعليمات رئيس الجهاز بالتخلص من السري جدًا بالفرم أو بالحرق، ومع ذلك لم أنفذ اﻷمر واحتفظت بها [بالمستندات] لحين الوقت المناسب… بتسليمها لمديرية اﻷمن. ولكن لتصاعد اﻷحداث تم عرض اﻷمر بتسليم اﻷرشيف السري جدًا للسيد مدير أمن البحر اﻷحمر، ولكن سيادته رفض بدعوى عدم وجود مكان يستوعب اﻷرشيف، وكان متوترًا ويخشى الاعتداء على المديرية لو وصلت المعلومة للمتظاهرين وفي حينه، وفي حين وجود سيادته تم الاتصال بالسيد اللواء عماد الوكيل، مدير قطاع اﻷمن المركزي لمنطقة جنوب الصعيد، والذي أقر بعدم قبوله اﻷرشيف لما يمثله من حساسية وخطورة على قطاع البحر اﻷحمر، اﻷمر الذي دعاني إلى نقل اﻷرشيف لمنطقة صحراوية أمنة بعيدًا عن الفرع لعدم حدوث أية تلفيات به ولإتلافها وحرقها».

وأخيرًا، نعتقد أن من المهم هنا الإشارة إلى ملحوظات قاضي التحقيق، والواردة في قائمة أقوال الشهود وأدلة الثبوت، وهي كالتالي:

  1. اعترف المتهمون، من اﻷول وحتى الثاني عشر، بإتلافهم مستندات خاصة بجهة عملهم (جهاز مباحث أمن الدولة) واعترف المتهمون، من الرابع والعشرين حتى الحادي والثلاثين، بإصدار تعليمات بإتلاف مستندات خاصة بجهة عملهم (جهاز مباحث أمن الدولة).
  2. ثبت من معاينة النيابة العامة لمقر مباحث أمن الدولة بأسيوط وجود عدد من اﻷشولة بداخلها قصاصات ورقية وكميات من اﻷوراق المحترقة وُجدت ساخنة لحظة المعاينة.
  3. ثبت من معاينة النيابة العامة لمقر مباحث أمن الدولة بأسوان خلو المكاتب من المستندات مع أثار فرم لكمية كبيرة جدًا من المستندات، ووجود خمس آلات فرم مستندات محاطة بتلال من اﻷوراق المفرومة.
  4. تبين من معاينة النيابة لمكان حرق مستندات، فرع مباحث أمن الدولة بالبحر اﻷحمر (الغردقة)، أنه مكان غير ممهد على جانب الطريق الجبلي، والحريق كان على بعد مائة متر تقريبًا من الطريق الدائري. وثبت من المعاينة احتراق عدد كبير من المستندات، واشتعال النيران بكومة كبيرة من الملفات. وتمكن أفراد القوات المسلحة من استخراج عدد كبير من ملفات مباحث أمن الدولة بعد إخماد الحريق.
  5. ثبت من معاينة النيابة العامة لمقر مباحث أمن الدولة بالشرقية وجود آثار حريق لعدد كبير جدًا من المستندات واﻷوراق الخاصة بمباحث أمن الدولة، كما ثبت وجود مفرمة أوراق بداخلها كمية من اﻷوراق المفرومة في مكتب مفتش الفرع.
  6. ثبت من معاينة النيابة العامة لمكان إعدام مستندات مباحث أمن الدولة ببني سويف أنه عبارة عن منطقة صحراوية على بعد 700 مترًا من أقرب بناية، وهي منطقة صحراوية وجبلية، ووجدت بها آثار لحفرة جرى ردمها، وحولها أوراق مبعثرة خاصة بمباحث أمن الدولة وبها آثار حريق.
  7. ثبت من معاينة النيابة العامة لمكتب مباحث أمن الدولة بالطالبية وجود كمية كبيرة من اﻷوراق المفرومة، وبعض اﻷوراق بها آثار حريق.

أخيرًا؛ أين ما تبقى من المستندات؟

فى 6 مارس 2011، دعا المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، عبر وسائل الإعلام، إلى تسليم مستندات أمن الدولة فورًا، من منطلق المسؤولية الوطنية من جهة، وتجنبًا للمساءلة القانونية من جهة أخرى، لاحتواء هذه الوثائق على أسماء وقضايا يشكل الكشف عنها خطورة على أمن الوطن وسلامة أفراده.

وأمر النائب العام عبد المجيد محمود وقتها بوضع المقار تحت حراسة الجيش، كما كلف فريقًا من محققي النيابة بالانتقال إلى مقار جهاز مباحث أمن الدولة، لاتخاذ إجراءات الحفاظ على ما تبقى من مستندات، واستلام ما تمكن بعض المتظاهرين من أخذه مما كان بحوزة الجهاز.

بعد تحفظ النيابة العامة على الأوراق والمستندات وأجهزة الحاسب اﻵلي، سواء جرى هذا التحفظ في سراي النيابة أو في مقر الجهاز نفسه تحت حراسة القوات المسلحة، قامت النيابة العامة، ووفقًا لمحضرها في 6 مارس 2011 الساعة الواحدة ظهرًا، بمقابلة السيد العميد محمود يونس بجهاز المخابرات الحربية، والمكلّف من قبل القوات المسلحة، باستلام المستندات واﻷوراق والآلات واﻷدوات وأجهزة الحاسب اﻵلي الموجود بمقر الجهاز، وبالفعل سُلّم كل ما جرى التحفظ عليه، سواء في المقر أو تلك المضبوطة بحوزة النيابة العامة، إلى اللجنة العسكرية بالقوات المسلحة المختصة. وكذلك جرى تسليم السيارات الموجودة في المقر والمباني إلى أحد المسؤولين في وزارة الداخلية، كما جرى تسليم سيارات الشرطة إلى مديريات اﻷمن المختصة.

وأكدت معاينة النيابة العامة لمقر مباحث أمن الدولة بمدينة نصر، وفقًا لتحقيقات النيابة مع كل من  هشام عبد الفتاح أبو غيدة، مساعد وزير الداخلية، ورئيس جهاز أمن الدولة واللواء محمد جمال الدين مدير اﻹدارة المركزية لتداول المعلومات، وجود أربع سيارات نقل شرطة كبيرة محملة بالأوراق والمستندات حول مقر الجهاز بمدينة نصر.

مسميات مختلفة وحقيقة واحدة

وفقا للتحقيقات الرسمية في قضية فرم المستندات، فإن مستندات جهاز أمن الدولة تعرضت للحرق والفرم في عدة فروع، وكذلك في الفرع الرئيسي، بينما تحفظت القوات المسلحة على المستندات والمحتويات التي كانت في فرع الجهاز الرئيسي بمدينة نصر. على اﻷرجح، أصبح اﻷرشيف الأمني لجهاز أمن الدولة، بعد وقائع اقتحام مقار الجهاز في مارس 2011، في حوزة القوات المسلحة.

في سياق آخر، فإن هذه المحاولات التي قام بها النشطاء والمتظاهرون، وإن كانت قد أثارت جدلًا كبيرًا آنذاك، إلا أنها لم تنجح في أي من أهدافها، سواء على مستوى الحفاظ على الأرشيف الأمني أو على مستوى حل جهاز أمن الدولة.

تأسس هذا الجهاز في مصر لأول مرة عام 1913، أثناء الاحتلال البريطاني، تحت اسم «قسم المخصوص». ورغم التغيرات التي طرأت عليه في كل مرحلة تاريخية جديدة، فقد استمرت أغلب آليات عمل الجهاز، وفي كل مرة، كان يجري تغيير اسم الجهاز لمحاولة غسل سمعته السيئة، فبعد 1952 باشر عمله تحت اسم «المباحث العامة»، وبعد تولي محمد أنور السادات الحكم، سُمي بـ «مباحث أمن الدولة»، ثم «قطاع مباحث أمن الدولة»، ثم ظل يحمل اسم «جهاز مباحث أمن الدولة» حتى قيام ثورة 25 يناير وسقوط مبارك.

وعقب «اقتحام» مقرات أمن الدولة، نُشرت وثيقة على صفحات التواصل الاجتماعي، عُثر عليها أثناء اقتحام مقر أمن الدولة بمدينة نصر. واحتوت الوثيقة المسربة على خطة لاستيعاب الغضب الجماهيري ضد الجهاز، وجاء في متنها أنه «في خضم الأحداث المتصاعدة والأصوات المرتفعة ذات التوجهات الخاصة المطالبة بحلّ جهاز أمن الدولة من دون اعتبار لمقتضيات المصلحة القومية والأمن القومي المصري، هناك رؤية يمكن طرحها لاستيعاب المطالب المطروحة… وتتبلور هذه الرؤية في: أولًا، إعلان حلّ جهاز أمن الدولة صوريًا أو إعلاميًا… ثانيًا، تغيير اسم الجهاز إلى جهاز الأمن الداخلي، جهاز المعلومات الوطنية، جهاز الأمن الوطني…إلخ».

وبغض النظر عن صحة هذه الوثيقة من عدمها، فإن نشرها جاء بهدف التحذير من هذه الخطوة، ومن المطالبة بضمانات حقيقية تمنع عودة الجهاز للعمل مرة أخرى، حتى لو كانت العودة تحت اسم جديد.

وبعد نشر الوثيقة بأسبوعين، وفي 15 مارس 2011، أعلن المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية أن اللواء منصور العيسوي، وزير الداخلية آنذاك، أصدر قرارًا بإلغاء جهاز مباحث أمن الدولة بكافة إداراته وفروعه ومكاتبه بجميع محافظات الجمهورية، وبإنشاء قطاع جديد بالوزارة تحت مسمى «قطاع الأمن الوطني»، بدلًا من جهاز من الدولة، ويهدف للحفاظ على الأمن الوطني وحماية سلامة الجبهة الداخلية ومكافحة الإرهاب وفقًا لأحكام الدستور والقانون ومبادئ حقوق الإنسان وحرياته. كما أُعلن أن الجهاز دوره خدمة الوطن، دون تدخل في حياة المواطنين أو ممارستهم لحقوقهم السياسية .

وأخيرًا؛ بعد مرور ما يقرب من 7 سنوات على الواقعة، فإن سياسات عدم الشفافية والسماح للأجهزة الأمنية بالعمل خارج إطار القانون لا تزال مستمرة، حيث برأت الجهات القضائية 41 قيادة من قيادات وزارة الداخلية السابقة والحالية، وكان على رأسهم حسن عبد الرحمن، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق، من الاتهام بفرم وحرق وإتلاف مستندات أمن الدولة.

وحتى اليوم، لا تزال أغلب وسائل الإعلام تصف ما حدث أنه يوم «تعدي فيه عدد من البلطجية على إحدى المنشآت العامة بهدف إسقاط الدولة»، ولا يزال أغلب المشاركون في اليوم يخشون الوقوع تحت طائلة التحقيق على ذمة ما يعرف بـ«القضية 250»، التي لا يتاح عنها أي تفاصيل، وبالتالي يعتقد نشطاء أنها متروكة للحظة المناسبة.

نشر هذا المقال في مدى مصر بتاريخ 5 مارس 2018

محتوى المدونة منشور برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 4.0