تداو ل المعلومات الركيزة الأساسية لمكافحة الفساد

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter

بعد مرور أكثر من عام على الثورة المصرية فى ظل إدارة المجلس العسكرى لشئون البلاد، لم تشهد مصر أى تقدم على مستوى الكثير من القضايا، ولعل أحد أبرز أسباب ذلك التعثر هو غياب المعلومات وحجبها عن المواطنين واستمرار المجلس العسكرى فى استخدام نفس منهج النظام السابق فى السيطرة والتحكم بالمعلومات والعمل فى سرية تامة، نفس العقلية التى تعتمد منهج الوصاية على الشعب وتحديد ما يجب أن يكون عليه الوضع دون مشاركة حقيقية فى اتخاذ القرار.
 
مازالت القرارات المصيرية تتم داخل الغرف المغلقة، وما زالت سياسات إقصاء وتضليل الوعى العام أحد أبرز أدوات النظم المستبدة من خلال ذراعى القمع الرئيسيتين والمتمثلتين فى السيطرة على المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة وتحويلها إلى متحدث رسمى باسم الحاكم وليس المحكوم من جانب، والأجهزة القمعية المتمثلة فى الأجهزة الأمنية من جانب آخر ، وهما ما يرفض المجلس العسكرى أى تصور حول تطهيرهما وإعادة هيكلتهما.
 
●●●
 
فلم يعد هذا الأمر مقبولا أو مسموحا فى إطار بناء دولة القانون والمؤسسات، فهناك العديد من المعايير والمبادئ التى يجب الالتزام بها خلال تلك المرحلة أهمها هو ضمان وحماية حرية الوصول للمعلومات، بمعنى حق الإنسان فى الوصول الآمن إلى المعلومات التى تحتفظ بها الجهة العامة وواجب هذه الجهة فى توفير هذه المعلومات له، وبالتالى حماية وتعزيز مبدأ الكشف الأقصى عن المعلومات المتمثل فى إتاحة جميع المستندات التى تحتفظ بها الجهة العامة للجمهور، وغيرها من المبادئ والمعايير الأخرى، التى لا يمكن تحقيقها إلا من خلال حزمة من السياسات والإجراءات التى تساعد على ضمان الانفتاح فى إدارة الشئون العامة عبر سنّ قانون يضمن ويحمى حق الأفراد فى الوصول إلى هذه المعلومات.
 
ففى عام 1946 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا ينص على أن «حرية الوصول إلى المعلومات حق أساسى للإنسان، وأنها محك جميع الحقوق التى كرست الأمم المتحدة لها نفسه»، وقد علق المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حرية الرأى والتعبير على ذلك فى تقريره لعام 1995 إلى مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قائلا: «ستكون الحرية مجردة من جميع فاعلياتها إذا لم يستطع الناس الوصول إلى المعلومات، فالوصول إلى المعلومات أمر جوهرى فى طريقة الحياة الديمقراطية وعليه، فمن الواجب التنديد بقوة بحجب المعلومات عن العامة».
 
وفى دراسة لمنظمة المادة 19 تحت عنوان «حق الجمهور فى المعرفة اعتبرت أن «حق الاطلاع على المعلومات أوكسجين الديمقراطية. فإذا لم يعرف الناس ما يحدث فى مجتمعهم، وإذا كانت أعمال أولئك الذين يحكمونهم مخفاة، لا يمكنهم المشاركة فعليا فى شئون ذلك المجتمع».
 
●●●
 
ويفهم من تلك الفقرات أهمية حرية الوصول إلى المعلومات على أكثر من مستوى، فهى من ناحية مهمة فى حد ذاتها حيث أنها توفر بيئة تمكينية عامة لجميع الحقوق الأخرى من خلال تعزيز مبدأ الإتاحة، فإتاحة المعلومات ضمانه أساسية لتمكين المواطن والمجتمع من مراقبة أوضاع الحقوق الأخرى وأهم إشكاليات تأديتها على الوجه الأكمل ومن ثم محاسبة ومساءلة السياسات وراسميها فى حال تأثيرها سلبا على تلك الحقوق، ومن ناحية ثانية فإن تعزيز مبدأ حرية تداول المعلومات أحد أهم مبادئ ومعايير خلق مجتمع منفتح وديمقراطى يتمتع فيه المواطن بجميع أنواع المشاركة السياسية والمدنية والتى لا تقتصر وفقط على حق الانتخاب وإنما حق النقد والتفنيد للسياسات بشكل مستمر والتعبير عن رأيه فيها.
 
ومن ثم فإنه من الصعب أن تكون هناك مشاركة ديمقراطية فى صنع القرار ورقابة ونضال حقيقى حول حماية وتعزيز الحقوق الأخرى دون توافر الشفافية الكاملة وتشارك المعلومات، فالحكومات التى تعمل فى ظل السرية فى الأغلب هى غير كفء لإدارة وتحمل مسئوليتها فى حماية الحقوق والحريات لمواطنيها، لأن حرية تدفق المعلومات وسهولة الوصول إليها هى الركيزة الأساسية لتحديد المشكلات والمخاطر وطرح الحلول المناسبة، فثقافة السرية والكتمان التى تمتع بها النظام السابق ويعتمد عليها المجلس العسكرى الآن هى التى تشجع على انتشار الإشاعات ونظريات المؤامرة التى يتبناها المجلس العسكرى خلال المرحلة الانتقالية.
 
وبالتالى فإن من أهم أدوات حماية أى من الحقوق ومنها الحق فى المعرفة وحرية الوصول للمعلومات هو التشريع الحامى والمُلزم بتأدية الحق والناظم لضوابطه ومعايير وحدود التمتع به وعدم وجود ذلك التشريع يسمح بتوغل السلطة الحاكمة أيا كانت فى انتهاك الحق والتحكم فى معايير وضوابط تأديته ويعفيها من التعرض للمراقبة والمساءلة والنقد، وهذا ما يفتقده بشكل خاص الحق فى المعرفة والوصول إلى المعلومات، فعدم وجود نظام للحصول قانونيا على المعلومات يسمح للدولة بالسيطرة الاستراتيجية على سيل المعلومات الرسمية وتمنحها قوة حجبها عن معارضيها ومنحها لمؤيديها وداعميها. فعلى سبيل المثال عدم وجود قانون ينظم عملية الوصول للمعلومات يقيد الهدف الرئيسى لوسائل الإعلام، وهو المساهمة فى تدفق المعلومات للعامة. كما أن عدم وجود مثل هذا القانون يدعم القوانين المقيدة لحرية الرأى والتعبير.
 
●●●
 
إذن فالدفاع والضغط من أجل سن قانون يحمى ويعزز ويمنح الأفراد الحق فى الوصول الآمن للمعلومات والبيانات الرسمية التى بحوزة الجهات والهيئات العامة هو أولوية أساسية لضمان مرحلة تحول ديمقراطى حقيقية فى مصر تتناسب وتطلعات وطموحات ثورة يناير.

نشر هذا المقال في جريدة الشروق بتاريخ 3 أبريل 2012

محتوى المدونة منشور برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 4.0