دفاعًا عن حرية الكلام.. دفاعًا عن آدمية الفرد

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter

نعم أنا من المؤمنين بأن حرية الكلام حرية مطلقة لا يجوز تقييدها بأى شكل من الأشكال، نعم أنا أرفض أن يتم إحالة الكلام إلى ساحات المحاكم بزعم حماية الآداب العامة والنظام العام والأمن القومى وغيرها من المصطلحات والكلمات المطاطة، التى استخدمها النظام السابق فى معاقبة خصومة السياسيين، والتى لم يضع لها أحد حتى الآن أطر تعريفية واضحة لمحاولة تجنبها، بل تم تركها فضفاضة لمعاقبة أى شخص بموجب هذه العناوين العريضة.
 
●●●
 
إننى أرفض وبشكل قاطع وضع أية قيود أو شروط على فعل الكلام من خلال قوانين وقرارات تهدف إلى تنظيم هذا الفعل، أو وضع قواعد لجعل الحديث يبدو أخلاقيا ومهذبا، وغيرها من التشبيهات النمطية التى تستخدم كحجة لمنع الكلام، مع الأخذ فى الاعتبار أننى على علم جيد بأن الكثير يرفض إطلاق هذه الحرية دون ضوابط تحت زعم حماية المجتمع.
 
إلا أن الاستثناء الوحيد الذى يمكن قبوله فى هذه القاعدة، هو أن يتضمن الكلام تحريضا على الكراهية والعنف والعنصرية، ولكن أيضا يشترط أن يرتبط هذا القيد بسلوك ومكان وزمان محددين، بمعنى ألا تتم المعاقبة على التحريض إلا إذا ترتب عليه سلوك عنيف ضد مجموعة من البشر، غير ذلك لا يجوز تجريم حرية الكلام ولا يجوز تحويله إلى المحكمة.
 
أعلم جيدا أن الكثيرين قد يرفضون ذلك الرأى، وفى اعتقادى أن أسباب ذلك الرفض ترتبط بعدم قدرتهم على تقبل الآراء المختلفة أو النقد اللاذع أو حتى الإهانة، فهناك العديد من الأسباب التى تجعل الكثيرين يتخذون مواقف ضد حرية الكلام، أحيانا بسبب المجتمع والعادات والتقاليد، وأحيانا بسبب المواءمة السياسية.
 
●●●
 
هناك نظريتان تتعلقان بحرية الكلام، الأولى وهى أنها حرية مطلقة، بحيث يترك للأفراد حرية قول ما يحلو لهم وتحديد ما يناسبهم دون وصاية من أحد، أما النظرية الثانية فهى نظرية التوازن بين هذه الحرية وبين القيم المجتمعية، وهذه النظرية ربما تلقى الكثير من المؤيدين فهى تعتمد على أن حرية الكلام ترتبط ارتباطا وثيقا بالظروف المحيطة، مما يتطلب تقييم كل حالة على حدة كى يتم تطبيق القوانين واللوائح عليها للوصول إلى الصيغة المثالية فى الكلام والتى تحافظ على قيم المجتمع على حد زعم متبنى هذه النظرية.
 
وفى نظرة سريعة على التاريخ، نجد أن المحاكم لم تنجح فى منع الناس من قول ما يحلو لهم، حتى ولو قامت بإصدار أحكام قاسية فى محاولة لإسكاتهم، ولا أعتقد أن ساحات المحاكم والقرارات والقوانين يمكن أن تعد مخرجا لحل هذا الأمر، دعوا الجميع يتحدثون عن أفكارهم، مهما كانت هذه الأفكار التى قد يختلف معها البعض أو حتى يتهمها بالتحريض أو السخرية أو الإهانة أو حتى الشعوذة، فلا أحد يمتلك قاموسا يجعله مخولا للوصاية على الآراء أو تقييمها، ففردية الإنسان هى فقط التى تتحكم فى اختياراته بين ما هو مناسب أو غير مناسب لشخصه، وما هو الأفضل أو الأسوأ له وبالتالى فهو يتحمل نتيجة اختياراته.
 
●●●
 
ومرة أخرى نجد أن البعض يحاول اختيار المعارك للناس نيابة عنهم، مرة أخرى يعتقد البعض أنه الأفضل والأجدر فى تحديد الأولويات، أو يتوهم أن هذا الرأى أو ذاك هو الأصح، يخطئ من يتخيل أنه صاحب الحق فى تحديد وطنية هذا الشخص أو ذاك أو يعتقد أنه وحده من يملك الحقيقة دون الآخرين، دعه يتوهم، ودع الآخرين يعبرون عن أنفسهم بالطريقة التى تحلو لهم، دعونا نخرج من دائرة التنميط والمثالية ونملئ ساحات النقاش بالتنوع والاختلاف، علنا نصل إلى عقد اجتماعى مريح لكافة الأطراف.
 
إن مفهوم حرية الكلام لابد أن يستند إلى التأكيد على حرية الفرد، فالفرد حر فى اختيار الآراء التى يراها متوافقة معه، ويجب ألا نقع فى فخ السيطرة على تحديد المفاهيم والادعاء بامتلاك الحقيقة، فالأفكار وفقا للبعض لها أجنحة ولكننا فى ذات الوقت نردد أن حرية الكلام ليس لها سماء فهى فضاء واسع ونحن هنا ندافع عن اتساع هذا الفضاء وليس عن فكرة محددة.
 
وحديثى هنا مرتبط بما يتعرض له توفيق عكاشة صاحب قناة الفراعين من بلاغات تطالب بالتحقيق معه تحت زعم ارتكابه العديد من الجرائم منها تفتيت الجيش لصالح الأعداء، وتحريض الجيش لعمل انقلاب عسكرى ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة والرئيس المنتخب، وكذلك اتهامه بالخيانة العظمى، وترويج أخبار كاذبة وشائعات غير صحيحة عن حزب الحرية والعدالة ورئيس الجمهورية محمد مرسى، هذا بالإضافة إلى اتهامه بإثارة الفتنة بين أفراد الشعب المصرى.
 
الآن فقط يستخدم البعض القوانين والقرارات التى كان يرفضها فى السابق، وتحت نفس المزاعم التى كان يسوقها المجلس العسكرى ومن قبله مبارك لتبرير منع خصومهم من الكلام وتصفية من يحلو لهم، وهنا أنا لا أدافع عن توفيق عكاشة فهو من سب وقذف واتهم الثوار على مدى الفترة الماضية، ومازالت الثورة تتعرض للهجوم من أمثال توفيق عكاشة وغيره تحت رعاية المجلس العسكرى، بل أدافع هنا عن حرية الكلام وحرية الفرد فى الاختيار من بين الآراء.
 
●●●
 
إن حرية الكلام والدفاع عنها أصبحت ضرورة بل ويمكننى القول إنها أولوية، فهى الطريقة المثلى للدفاع عن العدالة الاجتماعية والثقافية وهى أيضا الدليل على عدم الانتقاص من آدمية الفرد، ولا توجد طريقة للتغلب على الجوع والمرض والفقر، ووقف الطغيان والاستغلال والفساد، إلا عن طريق مجتمع منفتح يقبل الاختلاف والتنوع فى الآراء، مع ترك مساحة للنقد وحرية رفض أو قبول تلك الآراء دون وصاية أو تدخل من السلطة أو المجتمع، ودون إحالة الكلام إلى ساحات المحاكم، ويجب ألا ينسى الجميع فالرصاص لا يقتل الأفكار،والسجن لا يمنعها من الانتشار.

نشر هذا المقال في جريدة الشروق بتاريخ 1 يوليه 2012

محتوى المدونة منشور برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 4.0