فرم مستندات «أمن الدولة»: ما آل إليه أرشيف القمع بعد احتجاجات مارس 2011

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter

فرم مستندات”أمن الدولة”

ما آل إليه أرشيف القمع بعد احتجاجات مارس 2011

 

أعد التقرير الباحثون بمؤسسة حرية الفكر والتعبير :

سارة رمضان – منة المصري – عماد مبارك

تحرير: محمد عبد السلام

 

المحتوى

منهجية

مقدمة: 7 سنوات على يناير ومازال أرشيف القمع محجوبا

المحور الأول: احتجاجات أمام مقار أمن الدولة.. اوقفوا فرم المستندات

الشرارة الأولى .. مقر أمن الدولة بالإسكندرية

القاهرة .. تحرك سريع لإنقاذ مستندات أمن الدولة

أمن الدولة وحكايات التعذيب الحاضرة

الجيش وأرشيف القمع…

المحور الثاني: قراءة في أوراق قضية فرم المستندات

عن هيكل جهاز أمن الدولة

* اﻹدارة المركزية لتداول المعلومات

– تأمين المعلومات والوثائق.. ماذا حدث ؟

* في مقر أمن الدولة الرئيسي..

* الوثائق في فروع أمن الدولة..

معلومات أساسية عن قضية فرم المستندات

* المتهمون

* الاتهامات

المحور الثالث: سياقات اقتحام مقار أمن الدولة

أمن الدولة.. جهاز سيئ السمعة

دور الأرشيف الأمني في حماية الذاكرة وتحقيق العدالة

خاتمة

 

منهجية:

اعتمد هذا التقرير على مجموعة من المقابلات التي أجراها الباحثون مع نشطاء ومتظاهرين ومصابين، شاركوا في الاحتجاجات أمام مقار أمن الدولة في مارس 2011 في القاهرة والاسكندرية، وتم تجهيل هويتهم، حفاظا على سلامتهم. كما استخدم التقرير أوراق الدعوى القضائية – التي اتهم فيها ضباط وقادة بجهاز أمن الدولة بإتلاف مستندات الجهاز -، بما فيها المعاينات التي أجرتها النيابة العامة لمقار جهاز أمن الدولة. كذلك، اعتمد الباحثون على مجموعة من الدراسات والمقالات التي تناولت تاريخ جهاز أمن الدولة والأرشيف الأمني. كما استخدم التقرير الأخبار الصحفية والبيانات الرسمية، التي تطرقت لوقائع فرم مستندات جهاز أمن الدولة.

مقدمة: 7 سنوات على يناير ومازال أرشيف القمع محجوبا

يصدر هذا التقرير بعد مرور 7 سنوات على ثورة 25 يناير 2011، والتي تراها وزارة الداخلية وقطاع من وسائل الإعلام ليست إلا عيدا للشرطة. هذه المفارقة المستمرة منذ سنوات، ربما تعبر عن التناقض بين روايات المواطنين.. هؤلاء اﻷفراد الذين شاركوا في احتجاجات ومظاهرات يناير، وبين رواية رسمية تعمل مؤسسات الدولة على فرضها، إلى الحد الذي يقول فيه الرئيس الكلام اللى اتعمل من سبع تمن سنين مش هيتكرر تاني في مصر، في إشارة إلى ثورة 25 يناير على الأرجح.

وهكذا، يبدو الحال كما هو عليه منذ سنوات، مواطنين ونشطاء وشباب شاركوا في احتجاجات، تمسكا بآمال العيش والحرية والعدالة والاجتماعية، وسلطة تسعى بكل ما تمتلكه من قوة لطمس تاريخ هذه الاحتجاجات وتصويرها كمؤامرة هدفت للإضرار بأمن البلاد. هذا فيما يتعلق بالفترة التي يتم فيها نشر التقرير.

أما مضمون التقرير فهو محاولة جديدة من مؤسسة حرية الفكر والتعبير للتوقف أمام وقائع حدث، يتذكره ملايين المصريين وعايشه مئات منهم، في خضم أحداث ثورة 25 يناير.. حدث صاحبته انتهاكات لحقت ببعض المتظاهرين، وتهديدات بالاتهام في قضية، تُرسل من آن ﻵخر لنشطاء سياسيين، والأهم أنه حدث اختفى على هامشه الأرشيف الأمني، الذي يحمل تفاصيل لانتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان خلال عقود حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك. وتلك هي المسألة، التي يحاول التقرير أن يتناولها من جوانب مختلفة.

يحمل التقرير في بدايته طابعا سرديا لحكايات المصابين والمتظاهرين والنشطاء في القاهرة والاسكندرية، ويحاول أن يرسم صورة متكاملة لما حدث في تلك الأيام، التي قد تبدو للبعض في هذه اللحظة بعيدة. من خلال أصوات هؤلاء وحدهم، تُفرد المساحة لروايات، لطالما سعت السلطة الحاكمة إلى وأدها. يكشف التقرير عن دوافع ليس من بينها إسقاط الدولة، وعن أهداف ليس من بينها اﻹضرار بأمن البلاد.

وفي جزء لاحق، ينطلق التقرير من وثائق رسمية قطعا وهي أوراق قضية فرم المستندات، الدعوى القضائية التي حاولت من خلالها جهات التحقيق إثبات إتلاف مستندات جهاز أمن الدولة.. بين أوراق القضايا أقوال لقادة وضباط، ومعاينات للنيابة العامة، وتفاصيل تشكل جانبا آخر مهما من صورة ما حدث.

يعيد التقرير الاعتبار ﻷهمية معرفة مصير الأرشيف الأمني أو هكذا يحاول وإتاحته للمواطنين، فيتطرق إلى التاريخ القمعي لجهاز أمن الدولة في مصر، بمسمياته المتغيرة، وممارساته الثابتة. وكذا، يبين التقرير كيف يمكن للأرشيف الأمني أن يكون أداة للحفاظ على الذاكرة، وتحقيق العدالة الإنتقالية.. وهذا نقاش يعيدنا إلى النقطة التي بدأ منها متظاهرو مارس 2011. لن نترك أرشيف أمن الدولة لمن يريد إخفاء الحقيقة عنا، ولن نصمت إزاء محاولات التستر على انتهاكات حقوق الإنسان.

واليوم، وربما وأنتم تقرأون هذه السطور، قد يصادفكم في حياتكم اليومية تدخل أمني أو تسمعون حكايات عن انتهاك خصوصية المواطنين وترويعهم، فإن مضمون هذا التقرير وشهاداته قد تعيد لكم بعضا من الهمة، حتى لا تتكرر هذه الانتهاكات ثانية أو بالأحرى لتتوقف الآن وفورا.

هذا التقرير، محاولة أولى من مؤسسة حرية الفكر والتعبير، تحتاج إلى جهود أكبر وأوسع للبحث عن تفاصيل وجوانب ربما لم نصل لها بعد، وربما لم نتناولها وفقا ﻹمكانياتنا بالقدر الكافي.

المحور الأول: احتجاجات أمام مقار أمن الدولة.. اوقفوا فرم المستندات

كان حل جهاز أمن الدولة ومحاسبة ضباطه أحد مطالب ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك ونظامه.1 وبعد انتشار أنباء تفيد بتخلص قطاع مباحث أمن الدولة من المستندات، التي تدين ضباطه، تجمهر مواطنون أمام مقار جهاز أمن الدولة في عدة محافظات. كانت مطالب هؤلاء المتجمهرين حول مقار الجهاز تتعلق بوقف التخلص من المستندات، التي كانت بحوزة جهاز أمن الدولة، ومحاسبة أفراده على جرائمهم المثبتة في تلك المستندات،2 إلا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى إدارة الحكم في تلك المرحلة الانتقالية،3 ساهم في وضع نهاية لذلك، لم يتمناها المحتجون أمام مقار أمن الدولة.

استمرت الاحتجاجات على مدار يومين في أكثر من محافظة، ورغم أن أبرز المطالب في هذه الاحتجاجات كان حل جهاز أمن الدولة، إلا أن ذلك لم يتحقق. إذ جاء القرار الرسمي آنذاك بإنشاء جهاز بديل لأمن الدولة تحت اسم “الأمن الوطني”، ولم يحاسب أي من ضباط الجهاز على الجرائم التي ارتكبوها بحق المواطنين. ليس ذلك فحسب، بل كلف النائب العام السابق المستشار هشام بركات نيابة أمن الدولة العليا – بعد 3 سنوات من واقعة “اقتحام” مقار أمن الدولة – بفتح التحقيق في البلاغ رقم 205 لسنة 2014، المقدم ضد عدد من النشطاء السياسيين، ويتهمهم بالتورط في عملية اقتحام مقار الجهاز، وسرقة بعض الملفات الخاصة بالأمن القومي،4 وإضافة إلى ذلك ترد تهديدات باتهام نشطاء وسياسيين في القضية المعروفة إعلامية بالقضية 250.

يتناول التقرير في المحور الأول بعض ملامح هذا الحدث – يومي 4و5 مارس 2011 – اعتمادا على شهادات من عايشوه بأنفسهم. ترسم هذه الشهادات رواية بديلة تختلف عما تسعى السلطة لترسيخه من أن وقائع “اقتحام” مقار جهاز أمن الدولة ليست إلا مؤامرة دبرها الإخوان المسلمون، بهدف تدمير منشآت عامة وسرقة ملفات تخص أمن البلاد. ولذا ارتأينا تجهيل أسماء المستجيبين للشهادات، والاستعاضة عنها بأسماء مستعارة، ضمانًا لسلامتهم الشخصية، وخوفًا من تعرضهم لأي ملاحقات أمنية، خاصة بعد ورود أنباء بتحريك دعوى قضائية ضد من شاركوا في دخول مقار جهاز أمن الدولة.5

يحاول التقرير من خلال هذه الشهادات الإجابة على سؤالين: ما الذي حدث تحديدا عندما تظاهر العشرات أمام المقار ؟ وكيف تعامل المتظاهرون مع المستندات التي حصلوا عليها خاصة وأنها تحظى بأهمية كبيرة لكونها جزءا من الأرشيف الأمني لفترة حكم الرئيس الأسبق مبارك ؟

الشرارة الأولى .. مقر أمن الدولة بالإسكندرية

كان اقتحام مقر أمن الدولة بالإسكندرية بمثابة الشرارة الأولى في سلسلة اقتحامات مقار الجهاز، التي شهدتها محافظات مختلفة على مدار يومين. بعد انتشار معلومات تؤكد تخلص الضباط من مستندات الجهاز، توجه مئات المتظاهرين في الاسكندرية إلى منطقة الفراعنة، والتي تقع بالقرب من شارع السلطان حسين، للتظاهر أمام مقر أمن الدولة في محاولة لمنع عملية الإتلاف التي تحدث للمستندات. كانت قوات تابعة للجيش تتولى عملية تأمين المقر، عندما شرع ضباط أمن الدولة المحتمون داخل المقر في إلقاء زجاجات المولوتوف، وإطلاق الرصاص على المتظاهرين لتفريقهم. دفع ذلك المتظاهرين إلى محاولة اقتحام المقر. كما أن قوات الجيش انسحبت من أمام المداخل المؤدية إلى مقر الجهاز. واستمرت المناوشات بين المتظاهرين من جانب، وضباط أمن الدولة المتواجدين في المقر من جانب آخر، حتى ساعات متأخرة من الليل، وخلفت ورائها ثلاثة مصابين بطلقات نارية،6إضافة إلى آلاف القصاصات من المستندات التي جرى اتلافها واستطاع المتظاهرون الوصول لها.

في شهادته لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، يحكي ياسر كيف علم خبر تخلص الضباط من مستندات أمن الدولة، وقال إنه ذهب في الخميس 3 مارس 2011، لمراقبة ما يحدث أمام مقر أمن الدولة، فور تلقيه مكالمة تليفونية من أحد أصدقائه والذي يقطن بجوار المقر، يخبره فيها أن أوراق جرى فرمها وإتلافها تخرج من المكان، تمهيدًا للتخلص منها، على ما يبدو.

قررت استكشف الموضوع بنفسي وبالفعل روحت اتمشى هناك، بس هما كانوا عاملين بلوكات (حواجز) مربعة ضحمة، مقدرتش أشوف المشهد من بعيد، اضطررت أقرب جدا علشان أقدر اشوف اللي بيحصل جوة، شفت عربية واقفة وهما بيحملوا أشولة مليانة ورق“.

ويوضح أحمد في شهادته، وهو أحد المشاركين في التظاهرة، أنه توجه ومجموعة من فناني الإسكندرية إلى مقر أمن الدولة، عقب اتصالات من أصدقاء تخبرهم بنفس المعلومة. أخبر ضباط الجيش المتواجدين أمام المبنى أحمد وأصدقاءه أن يذهبوا إلى المنطقة الشمالية للشكوى، وأن سلطاتهم لا تمكنهم من منع عملية اتلاف المستندات.

طلعنا على المنطقة الشمالية وحاولنا نشتكي، قالوا لنا ده جهاز قائم، واحنا ملناش دخل، يفرموا ميفرموش ملناش علاقة بيهم فقررنا كلنا ان احنا تاني يوم المظاهرات تبقي على أمن الدولة علشان ننقذ ما يمكن إنقاذه

وفي نفس اليوم، انطلقت دعوة على مواقع التواصل الاجتماعي، لتنظيم مسيرة تنطلق من منطقة مسجد القائد ابراهيم في محطة الرمل، إلى مقر جهاز أمن الدولة بمنطقة الفراعنة، بهدف منع اتلاف المستندات والحفاظ على ما تبقى منها، ومحاسبة المتورطين من نظام مبارك. يكمل أحمد قائلا:

صلينا الجمعة في القائد إبراهيم، وانا بعربيتي بقودها وفيها ميكرفون وسماعات و13 شخص بالضبط رايحين امن الدولة، لقينا العدد قليل، فدخلنا محطة الرمل وقعدنا نهتف يسقط امن الدولةو أمن الدولة كلاب الدولة، فبقينا 150 واحد، وابتدأ ناس تتجمع، وطلعنا علي امن الدولة، واحنا في طريقنا لقينا في شارع السلطان حسين مظاهرة كبيرة كلها سلفيين واقفة في حديقة الشلالات، قالولنا هتعملوا ايه؟ قولنالهم احنا رايحين امن الدولة، كانوا خايفين يخشوا عند المبنى، قالولنا طيب استنوا نتجمع ونروح كلنا، قولنالهم احنا داخلين .. عايزين تيجوا معانا تعالو، وفعلا دخلنا عند امن الدولة واحنا بنهتف7

يضيف شاهر، في شهادته لمؤسسة حرية الفكر والتعبير: “مجموعتنا قابلت مجموعة سلفية في الطريق، كنا متوقعين إن ممكن يحصل خناق، لكن بالعكس محصلش، ومكانش في أي هتاف ديني، ولا خناقة علمانية وإسلامية، الهتافات كلها كانت متعلقة بالمطالبة بسقوط الجهاز، و(هاتوا اخواتنا من الزنازين)”.

وفي وصفه لمشهد التأمين، يقول ياسر أن مبنى أمن الدولة محاط بشوارع جانبية كثيرة، أُحيطت جميعها بكتل خرسانية، وفي المنتصف كانت سيارات الأمن المركزي ومدرعات الجيش تتمركز، وبقى أفراد الأمن المركزي مختبئين في السيارات، وقوات الجيش بكامل عتادها، تسيطر على المشهد، وتتولى عملية التأمين أمام الكتل الخرسانية، وتتولى عملية المفاوضات التي تحث المتظاهرين على الانسحاب، و تطمئنهم أن لا شيء يحدث للملفات.

يقول حسام، في شهادته لمؤسسة حرية الفكر والتعبير:

كان المستهدف بشكل اساسي تسليم الضباط، والحفاظ على المستندات، فكانت محاولة لحفظ التاريخ الأسود بتاعهم، على اعتبار ان احنا كنا نقدر نحاسبهم، لان هما من مميزات الدولة المصرية البيروقراطية انها مسجلة كل حاجة في الدفاتر والمستندات، من ايام محمد على لغاية النهاردة، وكل الكوارث دي موجودة، هما بيسجلوا كل حاجة ليهم، بس هي في الاخر بتصبح عليهم

وفي نفس السياق يوضح شاهر: “كنا رايحين وعندنا تصور ساذج، أو حالم يعني، وهو اننا نمنع فرم الملفات أو حرقها، لإن دي جريمة الجهاز ده، والورق ده دليل على استبدادهم، المعلومات الغلط اللي كانوا بياخدوها دليل ضدهم مش ضدنا، محدش كان عايز ياخد ملفه، كنا عايزين نحفظها علشان دي فيها دليل ادانتهم”.

في الثامنة مساءً تقريبًا، وزع المتظاهرون أنفسهم على 6 مداخل، لمنع هروب الضباط من مبنى جهاز أمن الدولة، ولضمان عدم تسريب أي من المستندات لخارج المبنى. أثار تزايد أعداد المتظاهرين وتجمعهم حول المبنى غضب الضباط، وشعروا أنهم محاصرون وغير قادرين على المغادرة. ثم شرع ضباط أمن الدولة المتواجدون على أسطح المبنى في إلقاء زجاجات المولوتوف بشكل عشوائي على المتظاهرين لتفريقهم، مما أدى إلى اشتعال 4 سيارات تقريبا من بينها سيارة (بوكس) تابعة لوزارة الداخلية. ازداد غضب المتظاهرين وتعالت الهتافات، وبدأ الضباط في إطلاق الرصاص، ورد المتظاهرون عليهم بالحجارة، ومع اشتعال الموقف بدأت قوات الجيش الانسحاب من المشهد.8

أدى إطلاق الأعيرة النارية إلى إصابة ثلاثة من المتظاهرين، كان أحمد أولهم، وكانت إصابته برصاص حي، خلف جرح نافذ من أعلى الصدر إلى أسفل الظهر، ويحكي أحمد:

انا فاكر ان حوالي الساعة 8 ونص لقيت درع بتاع امن مركزي وعصاية، فخدتهم وبلف عند المدخل الرئيسي وسط المناوشات هما بيحدفوا مولوتوف واحنا بنحدف طوب، وانا ماسك طوبة في ايديا وبحدف لقيت تنميلة في دراعي، فرميت اللي انا ماسكة وجرت على البوابة اللي احنا كنا واقفين عندها في الاول خالص، نيموني على الرصيف فلقوا في دم، وانا دايخ وتقريبا شبه ميت، ساعتها بقي محستش بألم او حاجة، بس حسيت ان نفسي بقا ضيق قوى، فقررت اني احافظ على النفس ده علشان افضل عايش منهجش ومتوترش، شالوني ومشوا بيا لحد شارع السلطان حسين، وقعدوا يهتفوا لا اله الا الله والشهيد حبيب الله، كأني ميت، حطوني في تاكسي، وروحت مستشفى السلامة

بعد ساعة من الإصابة الأولى في صفوف المتظاهرين، كانت إصابة ياسر هي التالية، ويقول عنها:

كنا مُحكمين الحصار عليهم، لحد ما بقوا فاهمين ان هما في خطر، فقرروا في لحظة معينة ان هما يمطرونا بوابل من المولوتوف والرصاص، فجأة الجيش اختفى، الضباط والعساكر دخلوا مدرعاتهم، زي ما يكون الموضوع مرتب، بعد شوية تلقيت رصاصة، مفهمتش اللي حصل، انا سمعت انفجار ووقعت على الأرض، حطيت ايدي في هدومي لقيت نافورة الدم، الإصابة كانت في بطني، حصلت حالة فزع وهيستريا، مسكت اخويا من هدومه وقلت له وديني المستشفى، ركبنا العربية وصممت اروح مستشفى للقوات المسلحة، كنت عارف ان انا لو روحت مستشفى الميري يا اما هموت بالإهمال الطبي يا اما هيجهز عليا

أصيب ياسر بطلق ناري في البطن، استقر في الفخذ الأيسر من الخلف، أجرى على أثره جراحة لاستخراج المقذوف. ويوضح أحمد أنه حرر محضر في المستشفى لإثبات اصابته، إلا أنه تلقى تهديدات مباشرة من أشخاص قريبين من السلطة في حال استمرت مطالباته بتحريك المحضر. تفيد التهديدات أن اسمه مدرج ضمن قائمة طويلة من المتهمين في القضية 250 – والتي لم تحرك إلى الآن -. ورغم عدم توافر معلومات كافية عن القضية، إلا أن تصريحات صحفية وتسريبات تؤكد أن القضية تضم عدد من النشطاء السياسيين، الذين شاركوا في أحداث الثورة المختلفة، ومن بينها اقتحام مقار أمن الدولة، وأن من ضمن الاتهامات تلقي تمويلات من جهات أجنبية، وتدمير منشآت، وسرقة ملفات تمس الأمن القومي.

زاد الذعر فور إصابة ثلاث متظاهرين، خاصة بعد انسحاب قوات الجيش من مشهد التأمين، وتركها لبوابات الجهاز. اندفع المتظاهرون في الحادية عشر تقريبًا باتجاه الباب الرئيسي لمبنى أمن الدولة. أزالوا الحواجز، وبدأوا في تفقد كل مبنى على حدة، تقدموا بحرص شديد، بعد محاولة ضباط أمن الدولة المتواجدين بالداخل إطلاق الرصاص مرة أخرى لمنع المتظاهرين من التقدم. هنا تدخلت قوات الجيش، وطلبت من المتظاهرين الخروج من المبنى، وتسليم ما بحوزتهم من أوراق وجدوها في الداخل، وأخبرتهم قوات الجيش أن النيابة ستحضر للتحفظ على الضباط.

يصف حسام مشهد خروج الضباط من المبنى قائلًا:

جه ضباط الجيش، حد كبير، وراحوا عاملين ممر من الجنود نفسهم، بحيث ان هما يخرجوا ضباط أمن الدولة من جوة، علشان يبقى في ممر آمن كدا لغاية تحت، بحيث يخرجوا يركبوا عربيات الجيش، اليوم خلص بأن الناس دي دخلت العربيات وتحركت، وحصل سياج حوالين المبني من الجيش، كان حوالي الساعة 3 الفجر، وكل اللي كانوا جوا من الناس خرجوا، وادعوا ان كل الضباط خرجت، واحنا كدا قبضنا عليهم، فبقت الوقفة ملهاش معنى ….، انا كنت متشكك في ان ده قبض عليهم يعني، علشان بردوا نبقي واضحين، حتي وانا واقف تشككت جدا في ان هو العدد ده اللي خرج بس والباقي ايه هتعملوا فيه ايه، فكان واضح ان كان في نية للتعتيم اللي هو ايه ماشي عدي يا ليلة يعني عقبال بس منشوف الليلة هتمشي ازاي

  • القاهرة .. تحرك سريع لإنقاذ مستندات أمن الدولة

انتشرت أخبار ما يحدث في الإسكندرية سريعًا، وبدا ان انتصارًا للنشطاء على وشك التحقق. اقترح نشطاء ومهتمون بالشأن العام التظاهر أمام مبنى أمن الدولة بمدينة نصر، والاقتداء بما حدث في الإسكندرية. وبالتزامن مع تلك الدعوات، شاهد أفراد يسكنون بالقرب من مقر أمن الدولة في مدينة نصر تصاعد الدخان في محيط المبنى. وبالفعل تم الاتفاق على التجمع يوم السبت 5 مارس 2011 في الساعة الرابعة عصرًا أمام أحد المباني القريبة من الجهاز. كانت قوات محدودة العدد من الشرطة العسكرية تتولى عملية تأمين مبنى جهاز أمن الدولة. وعلى خلاف الإسكندرية، فإن مبنى مدينة نصر كان قد تم إخلاؤه من ضباط أمن الدولة، مما سهل مرور اليوم دون حدوث أية اشتباكات.

يقول عماد: “قبلها كان في اقتحام اسكندرية، وكان فيه على تويتر وفيس بوك صور، وبعدين تاني يوم الصبح شفت ناس بدأت تقول طيب يلا النهاردة نروح أمن الدولة مدينة نصر، مكانتش حاجة منظمة يعني، وبعدين لقيت كذا حد بيقول الساعة 4 عند أمن الدولة، مع الوقت التجمع بدأ يكتر”.

ويوضح براء سبب التظاهر قائلًا:

قبلها بيوم حصل اقتحام اسكندرية، وردًا عليه كانت الناس بتتساءل، هل هنروح؟ هل الناس مش هتروح؟ خصوصا إن في ناس اتصابت، وكان الرغبة إن الناس حتى لو تروح وتقف حتى لو محصلش حاجة إن الناس تقول إنه جزء من المطالبات إن الحاجات اللي جوا تتسلم، وإن خلاص لازم مقر أمن الدولة تسلم حتى لجهات التحقيق، ساعتها كنت بشتغل صحفي، خدت كاميرا ورحت هناك، وكنت شايف إن دي لقطات تاريخية، لأن أمن الدولة هو جهاز مهم في النظام الأمني المصري، فيه صراع بينه طول الوقت وبين المجال السياسي والمجال العام، وهو المسئول طول الوقت عن التعامل مع السياسيين والناس اللي بتشتغل في المجال العام، وعليه الثورة دي كان جزء منها رئيسي هو فكرة الحرية، والديمقراطية، وفتح المجال العام والعدالة الاجتماعية، وجزء رئيسي منها قايم على التعذيب، والحقيقة إنه إذا كانت بتتكلم على حل إقالة الحكومة، او إقالة حسني مبارك، أو حل البرلمان، فكمان أمن الدولة كان على نفس الأهمية، في صديق ساعتها كان شاف إنه اللي حصل ده هو اللحظة الفعلية إننا نقدر نقول بشكل حقيقي إنه ثورة يناير نجحت، إنه كده بقى بداية مرحلة جديدة

تزايدت أعداد المتظاهرين، واكتشف أحدهم أن سيارات القمامة التي غادرت المبنى كانت تحمل أوراقًا تم اتلافها. حاولت قوات الجيش تهدئة الوضع، وأكد بعض ضباط الجيش أن المبنى خالي، ولا توجد حركة بداخله. تجمع المتظاهرون أمام إحدى البوابات، وتسلق آخرون سور المبنى، في محاولة لاكتشاف مداخل آمنة يمكن التحرك عبرها إلى مبنى أمن الدولة. بينما يحدث ذلك، كانت الهتافات تتعالى “أمن الدولة كلاب الدولة .. دول عتاولة في نهب الدولة”. يقول براء:

كانت حوالي 7 ونص بليل، الناس اللي على السور نطوا في مبنى، وابتدوا يهزوا في الباب، وناس تهز معاهم من بره، فالباب اتفتح ودخلنا، مفيش قوات خالص على الباب ده، كانوا عند الباب الرئيسي اول ما روحنا للباب اللي على الطرف ده، مفيش حد كان واقف، بعد كده الناس جريت على المبنى، وفيه ناس جريت على الباب الرئيسي من ضهره ، هو كان اقتحام سهل، أو سلس، يعني ناس سايبة الاماكن مهيئة إنك تقتحمها، مكانش فيه منع أو ردع

يحتل مبنى الجهاز مساحة كبيرة، خلف الأسوار توجد مساحة فارغة، ثم عدة مباني. يحكي عماد كيف دخل بعضها:

أنا دخلت 3 مباني المبنى اللي قدام الباب على طول، مبنيين في مكان تاني، اول مبنى دخلته كان يبدوا عليه مبنى اداري، لقيت أول مرة كان في سجلات فيها تفاصيل ادارية وحسابات، ودخلت مكتب لحسن عبد الرحمن رئيس الجهاز، دخلت مكتبه لقيت درع كان واخده في الصاعقة، كنت عايز اخده تذكار بس خدوه مني الجيش، ولقيت ورق شخصي، جالي انطباع ان الورق المهم كله خرج، وكان في متابعة ناس في الأزهر شغالين في مقارنة الأديان، فيمكن الحاجة اللي ليها معنى كانوا ورقتين تلاته من تقارير المتابعة

ويضيف براء:

جوا الباب الحديد، لما دخلنا روحنا المبنى اللي في وشنا على طول، كان كله أوض مكاتب، ابتدت الناس تطلع فجأة تزعق، وناس تشدني علشان اصور، لقينا حاجات بعدين الموضوع كله بقى كوميدي، لأنه لقينا سرير، المبنى ده أول كام دور فيه مكاتب مصلحة حكومية عادية، الأوض كان فيها كنب وثلاجات، حتى الملفات شبه الملفات الحكومية العادية، ناس تاني ابتدت تنزل الدور الارضي تدخل وتطلع تاني ورق مفروم، فكانوا بيطلعوا الأدوار، كل الأوض تقريبا، كان فيه أوضة فيها شرايط فيديو كتير واجتماعات، الناس ابتدت تحاول تشوف تشغله إزاي، كان فيه أوض فيها ملفات خضرا كتيرة، مكتوب عليها أسامي حاجاتكنيسة القديسين وكدة، أغلب الحاجات دي كانت ملفات صحفية عن أخبار صحفية عن تقارير عن إن فلان كان بيقدم البرنامج الفلاني، أغلب المعلومات عن حاجات متابعات، بعد كده في مكاتب فخمة جدا في أدوار عليا وعليها أختام مدير إدارة القطاع، ودي مكاتب فخمة شبه برضه مكاتب الوزراء اللي بنشوفها في التلفزيون، أغلب الملفات كانت في المبنى ده حتى في حاجات تانية صور فوتوغرافية عن حوادث طرق، دي كانت موجودة تقارير من ناس لناس، كان في وصف إن عناصر متعاونة أو عناصر ايثارية ….، وكان فيه ورق مفروم في الأدوار بره الأوض، والناس قعدت ساعتها تحاول تقول: لا إحنا ممكن نجمع ونلزق الورق، فالورق كان كتير في أكياس سودا

بعد ساعتين تقريبًا، بدأت قوات الجيش والشرطة العسكرية في الظهور من جديد. دخلوا المبنى وحثوا المتظاهرين على الانصراف. سريعا شكل المتظاهرون مجموعة لاستلام الملفات وتجميعها قرب المدخل، بعد أن طالبوا بتسليم المستندات والأقراص الصلبة إلى لجنة من النيابة العامة والقضاء. وبعد تفاوض سمحت قوات الجيش للمتظاهرين بتشكيل مجموعة لحراسة الملفات مع بعض الجنود، ثم حضر شاب عرف نفسه على أنه مستشار ساعده المتظاهرون في نقل الملفات إلى سيارة خاصة، قبل أن يستجيبوا إلى نداء الجيش ويغادروا المبنى بعد خضوعهم للتفتيش.

  • أمن الدولة وحكايات التعذيب الحاضرة

كان التعذيب في السجون والمعتقلات المصرية واحدا من أهم الأسباب التي أدت إلى اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وظل كشف قضايا التعذيب وفضح ممارساته وطرقه عاملا مؤثرا في معادلة الحراك السياسي على مدار سنوات. وكان لجهاز أمن الدولة سياسة ممنهجة في التعذيب البدني والنفسي في عهد مبارك. مثل سقوط هذا الجهاز نصرًا رمزيًا. ففي تلك الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير أعلن المئات عن نيتهم الذهاب للتظاهر أمام الجهاز دون خوف، غير مقتادين وبملء إرادتهم، ودون أن توضع عصابة على أعينهم.. يحاصرون مقار أمن الدولة ويطالبون بمحاسبة ضباطه. وكذلك يقصون على غيرهم من المتظاهرين حكاياتهم داخل المبنى، كيف قضوا هنا سنوات في تلك الزنزانة الضيقة، عدد الليالي التي اختبروها وهم معصوبو الأعين لا يجيب أحد على اسئلتهم، يفحصون هيكلا حديديا وجدوه بالداخل ويقصون كيف انه استخدم لوضع المعتقلين في أوضاع غير مريحة، وكيف كان هذا المسدس الكهربائي المصمم على شكل هاتف محمول يستخدمه الضباط كلعبة مع المعتقلين. أغلب حكايات التعذيب رواها منتمون للتيار الإسلامي، أمام مقار أمن الدولة في الإسكندرية والقاهرة. لقد كانت المساحة مفتوحة لعرض مظلوميتهم أمام الجميع دون خوف.

“شيء محزن ان الواحد يتذكر الحكايات دي، ويقول الكلام دا كله دلوقتي، احنا في مأساة اشد قسوة، الناس كانوا عاملين زي كرنفال للمضطهدين والمعذبين اللي اتعذبوا في الجهاز ده، كان كل الناس بتكشف عن مظلوميتها، اللي بيحكي ايه اللي جراله، واللي بيكشف عن جسمه يورينا هما كانوا عملوا فيه ايه، فكان شيء مؤثر جدا”، يقول ياسر في شهادته لمؤسسة حرية الفكر والتعبير.

يصف براء السراديب السرية التي وجدها في مبنى الجهاز بمدينة نصر، ويقول:

دخلت المبنى اللي كان فيه سراديب، المبنى كان معقد لأن هو مش عالي أوي عن الأرض، كان فيه أدوار تحت، يعني كان دورين، تنزله بسلالم، ممرات، وزنازين في جناب الممرات، وهما شبه بعض أوي، كانت أكتر حاجة مربكة بالنسبالي مبقتش عارف أنا في أنهي دور، ومش عارف أرجع، ودي كانت اكتر حاجة خانقة، إن في لحظة مش عارفة انت فين، التهوية وحشة جدا لأنها تحت الأرض، الممرات دي بتلف، بتدخلي الممر ده بترجعي تاني ليه، الزنازين كانت صغيرة جدا، يعني مساحة المكتب ده، كان فيها مصطبة، ومكانش فيها نور، بيبان الزنزانة حديد، والممر من برا في الآخر فيه باب حديد، هناك الناس ابتدوا يحكوا: أنا كنت هنا، فضلت 6 أيام متغمي ومباكلش حاجة، وابتدت الأوض تبقى كأنها عروض لناس بتحكي حصل معاها ايه، وناس بتتفرج وتتفاعل معاهم، حد كان بيحكي إنه قعد كذا يوم من 4 : 6 تقريبًا، متغمي، بيفتحوا بس يحطوا له أكل يعني ويقفلوا، بيدخلوا له أوقات في آخر اليوم من غير كلام ما بيشوفوش أي حاجة، أوقات كان بيسمع صوت العربيات بس، مكانش حد بيتكلم معاه، وفي ناس كانوا بيتعلقوا من عند الركبة، يعني بيحطوا عصايا وبيعلقوهم من رجليهم، يعني متكلبش، وبيسيبوهم كده 48 ساعة

  • الجيش وأرشيف القمع…

بعد أن انتشرت أنباء الاقتحام، ناشدت السلطات المصرية المتظاهرين، الذين أنقذوا المستندات تسليم الأوراق للأجهزة المعنية، حفاظا على مصر من خطر انتشار أسرار قد تمس أمنها القومي،9 إلا أن أغلب من حصلت مؤسسة حرية الفكر والتعبير على شهاداتهم، أكدوا أن المستندات الهامة قد جرى التخلص منها بالفعل، وأن أغلب ما وجدوه لم يقترب من أمن مصر القومي، بل تعلق بتفاصيل متابعة ضباط أمن الدولة للعلاقات الشخصية للسياسيين ورجال الأعمال. ومع ذلك وثق المتظاهرون بمؤسسات الدولة القضائية، فقاموا بتسليم أغلب المستندات التي نجحوا في إنقاذها من الحرق أو الإتلاف إلى قوات الجيش، التي كانت متواجدة أمام المقار، أو إلى النيابة العامة التي حضرت في نهاية اليوم، وهم يهتفون “أمانة .. أمانة”، و”الشعب خلاص أسقط النظام”.

حدث ذلك بعد أن تلقوا وعودًا أن يتم فتح التحقيق في تاريخ انتهاكات أمن الدولة، وفي وقائع الحرق والإتلاف المتعمد للكثير من الملفات من قبل العاملين بقطاع أمن الدولة قبل هروبهم، بالإضافة إلى وعود بإعادة هيكلة الجهاز بأكمله. يقول عماد:

في الاخر بعد مفاوضات الناس مع الجيش ان هيجي القضاة ياخدوها، جابوا قاضي معرفش جه منين، انا مش متأكد انه قاضي أصلا، فانا حاسس ان الموضوع كله في التهريج وممكن يجيبوا واحد يلبسوه بدلة وييجي يقولك القاضي مش عارف ايه محكمة الاستئناف وياخد الورق ويمشي، بعدين اتعملت كذا عربية لوري شالوا الحاجات دي وخدوها .. انا حسيت ان الموضوع كان استعراض، كان واضح إن الورق المهم جدا كان برة والحاجات اللي كانت في ايدي مفيش فيها حاجة حساسة

ويضيف شاهر: “اللي طلع لينا ما يطلق عليه الملفات المبدئية، يعني معلومات عاملها مخبر عن طريق اتصالات تافهة جدا مع بقال أو غيره، وكان فيها كم كبير من المعلومات العشوائية الغير مرتبة، وبعدين المعلومات دي بتتاخد في جهاز مثلا يرشحها شوية ويطلع منها الحاجات المهمة وتبتدي تدور في دائرة تانية، والمعلومات الغير مهمة بتدور في دائرة تانية برضو”.

توضح سهيلة وهي أحد المشاركين في التظاهرة أمام مبنى أمن الدولة بمدينة نصر، أن أحد المتظاهرين وجد ملفها ضمن عدد من الملفات التي تخص نشطاء سياسيين آخرين، وتشير إلى أن الملف حوى في أغلبه معلومات وبيانات شخصية للغاية، كما وجدت تفريغ لمحادثات سكايب مع أصدقائها، في اليوم التالي وفور أن شاهدت نداء الجيش للمواطنين لاسترجاع الملفات، أجرت اتصالا باللواء محسن الفنجري، أحد قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة حينها، وأخبرته أنها تريد إرسال الملف الخاص بها، وبالفعل وضعت ملفها في مظروف وكتبت عليه موجه إلى السيد اللواء محسن الفنجري، وسلمته في مبنى وزارة الدفاع.

جهاز أمن الدولة .. انطلاقة جديدة

هذه المحاولات التي قام بها النشطاء والمتظاهرون، وإن كانت قد أثارت جدل كبير آنذاك إلا أنها لم تنجح في أي من أهدافها، سواء على مستوى الحفاظ على الأرشيف الأمني أو حل جهاز أمن الدولة. هذا الجهاز الذي تأسس في مصر لأول مرة عام 1913، تحت اسم “قسم المخصوص”، أثناء الاحتلال البريطاني. ورغم التغيرات التي طرأت عليه في كل مرحلة تاريخية جديدة، كانت أغلب آليات عمل الجهاز تستمر، وفي كل مرة، كان يجري تغيير اسم الجهاز لمحاولة غسل سمعته السيئة؛ فبعد ثورة 1952 باشر عمله تحت اسم “المباحث العامة”، وبعد تولي محمد أنور السادات الحكم، تم تسميته بـ “مباحث أمن الدولة”، ثم “قطاع مباحث أمن الدولة”، وأخيرًا ظل يحمل اسم “جهاز مباحث أمن الدولة” حتى قيام ثورة 25 يناير وسقوط مبارك.

عقب “اقتحام” مقرات أمن الدولة، نُشرت وثيقة على صفحات التواصل الاجتماعي، عُثر عليها أثناء اقتحام مقر أمن الدولة بمدينة نصر. الوثيقة المسربة حوت خطة لاستيعاب الغضب الجماهيري ضد الجهاز، وجاء في متنها “في خضم الأحداث المتصاعدة والأصوات المرتفعة ذات التوجهات الخاصة المطالبة بحلّ جهاز أمن الدولة من دون اعتبار لمقتضيات المصلحة القومية والأمن القومي المصري، هناك رؤية يمكن طرحها لاستيعاب المطالب المطروحة… وتتبلور هذه الرؤية في: أولاً، إعلان حلّ جهاز أمن الدولة صورياً أو إعلامياً… ثانياً، تغيير اسم الجهاز إلى جهاز الأمن الداخلي، جهاز المعلومات الوطنية، جهاز الأمن الوطني…إلخ”.

وبغض النظر عن صحة هذه الوثيقة من عدمها، فإن نشرها جاء بهدف التحذير من هذه الخطوة، والمطالبة بضمانات حقيقية تمنع عودة الجهاز للعمل مرة أخرى حتى لو كانت العودة تحت اسم جديد.

بعد نشر الوثيقة بأسبوعين، أعلن المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية، في 15 مارس 2011، أن اللواء منصور العيسوي، وزير الداخلية، أصدر قرارا بإلغاء جهاز مباحث أمن الدولة بكافة إداراته وفروعه ومكاتبه بجميع محافظات الجمهورية، وأن قطاع جديد بالوزارة بمسمى “قطاع الأمن الوطني” حل بديلًا ﻷمن الدولة، بهدف الحفاظ على الأمن الوطني وحماية سلامة الجبهة الداخلية ومكافحة الإرهاب وفقا لأحكام الدستور والقانون ومبادئ حقوق الإنسان وحرياته. كما أعلن أن الجهاز دوره خدمة الوطن، دون تدخل في حياة المواطنين أو ممارستهم لحقوقهم السياسية10.

يرى أغلب من حصلت مؤسسة حرية الفكر والتعبير على شهاداتهم أن الثورة كانت لاتزال في أوجها، ما جعل حراك المتظاهرين في هذه الفترة ورقة ضغط قوية، تعاملت معها السلطة باحتواء، حتى تضمن تفريغ غضب المتظاهرين. لذا فكان لابد من التضحية بـ “أمن الدولة”، والايحاء بأن عصره بات من الماضي، وأن سياسات جديدة أكثر ديمقراطية في الأفق، لتمرر بذلك جهاز آخر يحل محله بنفس الصلاحيات، تحت اسم وتاريخ جديدين. يقول أحمد عن ذلك:

المجلس العسكري حس ان الجهاز ده اتكشف، وان هو عايز يغير جلده، ويعمله بطريقة جديدة، فخلاص موت ده، وسيبوا الناس تقتحم، وبعد كدا قالك ينحل امن الدولة، علشان يمتصونا، بعد كدا عملوا الامن الوطني، فيعني هي كانت تمثيلية وانا اعتقد ان كل ده اتعمله سيناريو في ال 18 يوم، طبعا احنا ما ايقناش ده غير لما الخطة اتنفذت

بعد مرور ما يقرب من 7 سنوات على الواقعة، فإن سياسات عدم الشفافية والسماح للأجهزة الأمنية بالعمل خارج إطار القانون مازالت مستمرة، حيث برأت الجهات القضائية 41 من قيادات وزارة الداخلية السابقة والحالية على رأسهم حسن عبد الرحمن، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق، في واقعة اتهامهم بفرم وحرق واتلاف مستندات أمن الدولة.11

ومازالت أغلب وسائل الإعلام تصف ما حدث أنه يوم “تعدي فيه عدد من البلطجية على إحدى المنشآت العامة بهدف إسقاط الدولة”، ولا يزال أغلب المشاركون في اليوم يخشون أن يقعوا تحت التحقيق على ذمة ما يعرف بالقضية 250، التي لا يتاح عنها أي تفاصيل، والتي يعتقد نشطاء أنها متروكة للحظة المناسبة، الأمر الذي تؤكده سهيلة وتقول أنه في تحقيق الأمن الوطني معها في عام 2014، طلب منها الإدلاء بشهادتها في القضية 250، إلا أنها رفضت وطلبت استدعاء رسمي يفيد ذلك.

الملفات دي كان ضروري تتعرض على الشعب، كنا هانفهم الناس دي كانت بتفكر إزاي، كانت ازاي عايزة تلتف حولين ما حدث إزاي، المفروض يبقى فيه ناس تحط ايديها على المعلومات دي وتبقى متاحة للجمهور بشكل علني، عشان تقديري ده كان هيفيد الثورة، والمبنى كان لازم يتعمل متحف

يقول ياسر. أما عماد فيقول:

ده كلام منتصرين، لما تنتصر ممكن نفكر المبنى نعمل فيه ايه، انا مكانش عندي أي أمل في الوقت ده يكون في مسار قانوني له معنى، يعني العدالة الانتقالية دي حاجة هي كمان حاجة استثنائية، بتحصل برة مسار القانون العادي، فدي حاجات مختلفة لما انت تكون انتصرت او عملت تقدم كبير وعايز بقي ترجع تفتكر وتصفي الجراح …. واحنا نجحنا في احداث خلخلة بس احنا مش منتصرين فاحنا لازم نتحرك على اساس ان احنا جزء من الفوضى من الخلخلة دي وتحاول تخلي الفوضى دي نجاحك، إنك تخليها ليها شكل سياسي، إنك تخليها في شكل حركة قوية وتبني رموز وتنشر أفكار وحاجات

هذه روايات النشطاء والمتظاهرين الذين سعوا لوقف انتهاكات اعتاد جهاز أمن الدولة ممارساتها، وكانوا يطمحون إلى الحفاظ على الأرشيف الأمني. وإن كانت هذه الروايات جزءا مهما من صورة ما حدث في مارس 2011، فذلك لا ينفي أن رواية المسئولين وقادة جهاز أمن الدولة تمثل جزءا آخر، له قدر كبير من الأهمية، ويساعدنا على فهم أوسع لتلك الوقائع ولمحاولة الوصول ﻹجابات عن ماذا حدث تحديدا وما مصير الأرشيف الأمني في نهاية المطاف. وهذا ما يتطرق له التقرير في المحور الثاني.

 

المحور الثاني: قراءة في أوراق قضية فرم المستندات

يعتمد التقرير في المحور الثاني على أوراق القضية المعروفة إعلاميا بـ “فرم مستندات أمن الدولة”، بما تشمله من تحقيقات النيابة العامة وقاضي التحقيق، التي تمت مع المسؤولين اﻷمنيين بداية من وزير الداخلية ورئيس جهاز مباحث أمن الدولة سابقا، مرورا بالمسؤولين عن الفروع وإدارة المعلومات بالجهاز، باﻹضافة إلى محاضر المعاينة، التي قامت بها النيابة العامة للمقر الرئيسي للجهاز بمدينة نصر، وكذلك فروع الجهاز بالمحافظات.

عن هيكل جهاز أمن الدولة

يشرح اللواء هشام عبد الفتاح أبو غيدة،12 مساعد وزير الداخلية ورئيس جهاز أمن الدولة، الذي تولى هذا المنصب، في 2 مارس 2011، الهيكل التنظيمي لجهاز أمن الدولة، ويقول:

الجهاز يرأسه رئيس بدرجة مساعد وزير ومركزه الرئيسي حاليا بمدينة نصر يعاون رئيس الجهاز نائب الرئيس وعدد من المديرين العموم ومديري الإدارات المركزية بجانب رؤساء مجموعات تختلف باختلاف العمل المنوط بكل مجموعة باﻹضافة إلى فروع وإدارات عامة بكل محافظة ويختلف ذلك بحسب حجم المحافظة والنشاط المطلوب فيها

يوضح أبو غيدة أن جهاز مباحث أمن الدولة هو أحد القطاعات الشرطية التابعة لوزارة الداخلية، ويخضع عمله في نهاية اﻷمر لحكم القانون. يعتمد معظم عمل الجهاز على جمع المعلومات واستقراءها، وعرضها على الجهة المختصة. وفيما يتعلق بعمل المحاضر أو القضايا، فإن ذلك يخضع ﻹشراف الجهة القضائية، التي يعرض عليها المحضر في نهاية اﻷمر.

يقول اللواء أبو غيدة فيما يتعلق بالمعلومات والوثائق التي بحوزة الجهاز:

“المعلومات الموجودة لدى الجهاز تبقى لها درجات من السرية اعلاها سري للغاية ثم سري جدا وسري وبعضها ضعيف القيمة زي مكاتبة أو خطاب وطريقة حفظ كل معلومة تختلف عن الأخرى، فالمعلومات ذات طبيعة سرية للغاية محفوظة في مكان مأمون بأبواب مصفحة بداخل مقر الجهاز والنوع الثاني من التقارير مؤمنة جيدا

ويتم ترتيب المعلومات بحسب اﻷهمية سالفة اﻹشارة، وهي موجودة في المركز الرئيسي للجهاز والفروع. وتطرق أبو غيدة في التحقيقات معه إلى دور جهاز مباحث أمن الدولة، باعتباره جهاز معظم عمله هو جمع المعلومات، ويقول اللواء أبو غيدة عن أحداث 25 يناير ومواجهتها:

فيما يتعلق بالمتابعة كان الجهاز بيعمل تقارير باﻷوضاع بصيغة محكمة وترفع لوزير الداخلية وهو بدوره قد يضعها للقيادات السياسية وبنقترح في تلك التقارير أساليب مواجهة أو علاج مثل تلك المشاكل وحالات الغضب وكيفية امتصاصها انما فيما يتعلق بالمواجهة المباشرة مع المتظاهرين دية مسئولية اﻷمن المركزي ومديريات اﻷمن واﻷمن العام

وتعد اﻹدارة المركزية لتداول المعلومات من ضمن اﻹدارات المركزية المشار إليها في الهيكل التنظيمي، ومنوط بها حفظ المستندات والوثائق. لذا يتناول التقرير طريقة عمل تلك الإدارة ومدى مسؤوليتها عن حفظ وحماية الوثائق.

  • اﻹدارة المركزية لتداول المعلومات:13

هي اﻹدارة التي تتولى حفظ جميع المكاتبات الواردة من الفروع واﻹدارات الجغرافية والمركزية، ويتم ترتيبها بحيث يتم إيجادها عند الطلب، مع المحافظة عليها، وكذلك كافة مرفقات تلك المكاتبات من تقارير أو أي كشوف خاصة بطلب إعدام أوراق زائدة. أما عن الهيكل التنظيمي للإدارة، يوضح اللواء محمد جمال الدين، مدير الإدارة، أمام النيابة العامة، أنها تنقسم إلى ثلاثة مجموعات رئيسية، وهي: مجموعة الوثائق، مجموعة المعلومات، ومجموعة التدابير. كل مجموعة يرأسها ضابط برتبة عميد، ويعاونه مجموعة من الضباط اﻷصغر. ويندرج تحت كل مجموعة أقسام، فمثلا مجموعة المعلومات بها قسم استطلاع الرأي، ومجموعة الوثائق بها قسم الارشيف الالكتروني، ومهمته تحويل المستندات الورقية لقسم الحاسب اﻵلي.

أما عن طبيعة عمل المجموعات الرئيسية الثلاث سابقة الذكر، يقول اللواء جمال الدين:

مجموعة الوثائق خاصة بحفظ اﻷوراق الواردة من الفروع واﻹدارات الجغرافية والمركزية مثل جميع المذكرات والتقارير، ومجموعة المعلومات تختص بحفظ مذاكرات استطلاع الرأي الواردة للمقر الرئيسي أيضا بشأن تصاريح العمل وفقد جوازات السفر وتجديدها،والشخصيات التي ستحضر الحفلات الرسمية الهامة، مجموعة التدابير خاصة بحصر المعتقليين واسمائهم و القضايا المتهمين فيها وقرارات الاعتقال الخاصة بهم

وفيما يخص طريقة حفظ الوثائق المشار إليها في المجموعات الثلاثة، يوضح اللواء مدير إدارة تداول المعلومات، أن جميع المستندات تحفظ باﻷرشيف العام للجهاز، فيما عدا أرشيف يسمى أرشيف سري للغاية يتبع مجموعة المعلومات، والذي يحفظ فيه التقارير والمذكرات ذات الطبيعة الخاصة والهامة. ويؤكد اللواء محمد جمال الدين أن جميع المستندات الموجودة في اﻹدارة لا تخضع لإجراءات الدشت أو الإعدام، ﻹنها بمثابة تراث تاريخي ﻷعمال الجهاز، باستثناء المستندات عديمة اﻷهمية مثل: أوراق تصاريح العمل وجوازات السفر الفاقدة أو التجديد بعد استنفاذ الغرض منها.

أما عن طريقة التخلص من اﻷوراق عديمة اﻷهمية المشار إليها سابقا، فهي عملية تتم تباعا، وليس لها مدة محددة. ويمكن إجراء الدشت كل ثلاث شهور أو سنة حسب الحاجة. ويلزم عند إعدام المستندات القيام بحصر المستندات المطلوب إعدامها، في كشف يسمى كشف اﻹعدامات. ويقوم المسئولون بكل مجموعة بإعداد هذا الكشف، عن طريق لجنة برئاسة ضابط الأرشيف أو المجموعة المختصة، تشكل لهذا الغرض. ويعرض هذا الكشف على رئيس المجموعة في البداية، ﻷخذ الموافقة على عمليات اﻹعدام. ثم يعرض على رئيس اﻹدارة. وبعد أخذ الموافقات اللازمة، يتم إعدام المستندات المبينة بالكشف، عن طريق الفرم بواسطة المفارم الموجودة بمقر الجهاز. ويحفظ هذا الكشف في الملف الخاص بذلك في مجموعة الوثائق بالأرشيف.

  • تأمين المعلومات والوثائق.. ماذا حدث ؟

يشير محمود وجدي محمد محمود وزير الداخلية،14 في الفترة من 31 يناير وحتى 6 مارس 2011، بخصوص اﻹجراءات التي أصدرها بشأن تأمين مقار جهاز مباحث أمن الدولة وما تحتوي عليه من مستندات ووثائق، إلى أنه في 23 فبراير 2011، وردت معلومات تفيد بوجود اتجاه لاقتحام مقار أمن الدولة في مختلف المحافظات. وقد وردت معلومة مؤكدة أن هناك احتمال اقتحام مقار أمن الدولة بمحافظتي المنوفية والغربية. ونتيجة لهذه المعلومات، يقول وجدي في التحقيق أمام النيابة العامة:

قمت بإعطاء تعليمات لرئيس قطاع أمن الدولة اللواء/ حسن عبد الرحمن بتنفيذ الكتب الدورية والتعليمات الخاصة للمحافظة على اﻷوراق والمستندات في الحفظ وعند تداولها وعليهم بالحفاظ عليها وحماية المقار من أي اقتحام وقد كررت عليه هذا التنبيه وهذه التعليمات أكثر من مرة وبتاريخ 1/ 3 أو 2/ 3/ 2011 تقريبا أصدرت قرار بنقل اللواء/ حسن عبد الرحمن للعمل مساعد أول وزير للأمن وتكليف اللواء/ هشام أبو غيدة بتولي قطاع أمن الدولة خلفا له وقد تولى مهام عمله الجديد اعتبارا من 2/ 3/ 2011 تقريبا وقد وصلت إلي معلومات بأن هناك نية لاقتحام بعض مقرات أمن الدولة وخاصة في اسكندرية فأرسلت خطاب لرئيس القطاع الجديد اللواء/ هشام أبو غيده مفاده أنه في ضوء اﻷحداث الجارية وما تقتضيه من ضرورة اتخاذ أقصى درجات التأمين للمنشآت يتنبه بإخطار جميع إدارات أمن الدولة وفروعها على مستوى الجمهورية للحفاظ وبأقصى درجة من السرية على كافة ما تحتويه تلك المقار من مستندات وبكافة أنواعها وحفظها مركزيا. وأشرت في كتابي أنه تجدر اﻹشارة إلى أنه سبق التنبيه بذلك يوم الجمعة الموافق 25 فبراير 2011 للسيد اللواء دكتور مساعد أول وزير رئيس الجهاز السابق في ضوء المعلومات التي توافرت عن ذلك حيث أشارت إلى اعتزام مداهمة مكاتب أمن الدولة بمديريتي أمن الغربية والمنوفية إلا أن سيادته لم يقم بتنفيذ ذلك”

وفي 5 مارس 2011، صدر خطاب عن اللواء عادل السعيد، مساعد أول الوزير لقطاع التفتيش والرقابة، إلي اللواء حسن عبد الرحمن مساعد الوزير أول لقطاع اﻷمن،يذكر فيه: “أشارة السيد الوزير بالاستفسار من سيادتكم عن مدى تنفيذ التعليمات الخاصة بتأمين مقرات أمن الدولة سواء فيما يتعلق باﻷجهزة أو المستندات في ضوء وقوع تعديات على بعض المقرات”.

  • في مقر أمن الدولة الرئيسي..

تناول التقرير في الجزء السابق شهادات المتظاهرين والنشطاء حول اقتحام مقار أمن الدولة، وهنا يحاول التقرير تسليط الضوء على أقوال مسؤولي أمن الدولة بشأن اقتحام مقاره. يقول اللواء حسن عبد الرحمن، في تحقيقات النيابة العامة،15 أنه توفرت معلومات لدى الجهاز أنه:

كان هناك تجمعات ووقفات احتجاجية وتظاهرات بتاريخ 25/ 1/ 2011 أمام وزارة الداخلية وتطورت في اﻷيام التالية لمظاهرات أكبر وأعنف تم خلالها اقتحام بعض مقرات جهاز مباحث أمن الدولة في المحافظات المختلفة ومن بينها مقر مباحث أمن الدولة بالبحيرة مدينة دمنهور والاستيلاء على ما بداخله من أوراق وتقارير خاصة بالعمل ومكاتبات متبادلة بين الفروع والمقر الرئيسي للجهاز وتم نشرها عبر وسائل الإعلام المختلفة ونتيجة توافر معلومات أكدت اعتزام بعض المتظاهرين والخارجين عن القانون اقتحام مقرات الجهاز بالمحافظات المختلفة والمكاتب الفرعية صدرت تعليمات السيد وزير الداخلية بعدم الاحتفاظ بالتقارير الهامة واﻷوراق الهامة بالمكاتب ومقرات الفروع والاكتفاء بأصول هذه اﻷوراق الموجود بالمقر الرئيسي بمدينة نصر

ويوضح اللواء حسن عبد الرحمن، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة آنذك، إجراءات تأمين المعلومات والوثائق، حيث جاءت كما يلي:

أولًا: تم إخطار الجهات المعنية بوزارة الداخلية والدفاع بمضمون المعلومات، لتشديد الحراسة على الجهاز.

ثانيًا: تم اتخاذ بعض اﻹجراءات، التي تستهدف الحفاظ على اﻷوراق والمعلومات الموجودة لدى الفروع والمكاتب الفرعية، حفاظًا على سريتها، وانطلاقًا من وجود نسخ محفوظة منها، باﻷرشيف المركزي بمقر الجهاز.

كانت هذه اﻹجراءات، الصادرة بتاريخ 24 فبراير 2011، عن اللواء حسن عبد الرحمن رئيس الجهاز في ذلك الوقت تتضمن التخلص من أرشيف المكاتب الفرعية التابعة للإدارات والفروع والتخلص من محتوياتها، وكذلك التخلص من أرشيف سري للغاية الموجود باﻹدارات والفروع. ووفقا ﻷقواله يوضح السبب:

أرشيف سري للغاية يتضمن معلومات على درجة عالية من السرية وكلها محفوظة باﻷرشيف المركزي وخروجها وتسريبها يمثل مساس باﻷمن علشان كدة قررنا أن نقصر الاحتفاظ على اﻷرشيف المركزي بالجهاز لكن كل ما هو موجود باﻹدارات موجود أصله بأرشيف الحفظ المركزي بمقر الجهاز

ويضيف اللواء حسن عبد الرحمن:

بعض الفروع نفذت وبعض الفروع اعتقدت أنها أمنة وأسوارها تحميها من أي اقتحام واﻷوراق فيها كانت كتير فأخذت وقت علشان تنفذ هذه التعليمات وعرفت بعد كدة فرع أكتوبر يوم السبت 5/ 3/ 2011 كان لم ينتهي بعد من التخلص من اﻷوراق وفقا للتعليمات ولما وجد تجمع كبير حول الفرع وكان في اليوم السابق حصل اقتحام لمقر فرع الإسكندرية فأنا عرفت أنها اضطروا لحرق بعض اﻷوراق للتخلص منها وكانت تحمل مذكرات عديمة الجدوى ولكن ظهور اﻷوراق في وسائل اﻹعلام فيها مساس بهيبة الدولة

تلك التعليمات التي أصدرها اللواء حسن عبد الرحمن يقول أنه تم عرضها على وزير الداخلية، كما إنها صدرت بناءًا على أن الوزير طالب بعدم الاحتفاظ بالتقارير الهامة واﻷوراق الهامة بالمكاتب ومقار الفروع والاكتفاء بأصول هذه اﻷوراق الموجود بالمقر الرئيسي بمدينة نصر. وهو اﻷمر الذي يخالف ما أقر به وزير الداخلية، أمام قاضي التحقيق، حيث قال: “لم يعرض علي أي اقتراحات تتضمن ما ورد بهذا الكتاب ولم أعلم به إطلاقا إلا بعد تركي الوزارة ومن الصحف”. كما يقول الوزير: “لا يحق له أن يصدر مثل هذا ولا يحق لوزير الداخلية أيضا إصدار مثل ذلك الكتاب لمخالفته للتعليمات والكتب الدورية وصدور هذا الكتاب يستوجب المسائلة اﻹدارية والقانونية”.

وردًا على طلب قاضي التحقيق للاستعلام عما إذا كان أرشيف السري للغاية الخاص بإدارتي مباحث أمن الدولة (بحلوان والقاهرة) قد تم تسليمه لرئاسة جهاز مباحث أمن الدولة السابق من عدمه، وفي الحالة اﻷولى بيان المستلم بذلك ومكان التحفظ عليه حاليًا. ففي 19 يونيو 2012 أرسل مساعد وزير الداخلية رئيس قطاع اﻷمن الوطني خطاب لقاضي التحقيق يفيد أنه: ” تشكلت لجنة من السادة اللواءات السابق عملهم بجهاز أمن الدولة ومن العاملين الحالين بقطاع اﻷمن الوطني ممن كان لهم صلة بالموضوع محل الفحص”. وتضمن الخطاب ما انتهت إليه أعمال اللجنة، والتي تشكلت من اللواء خالد ثروت وكيل اﻹدارة العامة بجهاز مباحث أمن الدولة السابق، اللواء معتصم مراد مدير اﻹدارة العامة بجهاز مباحث أمن الدولة السابق، واللواء هشام زهران مدير اﻹدارة العامة للمعلومات الحالي بقطاع اﻷمن الوطني حيث تبلور رد اللجنة وفقًا للآتي:

أكد السيد اللواء خالد أنه باعتباره أقدم الضباط باﻹدارة العامة لمباحث أمن الدولة بالقاهرة في ذلك الحين وفي ضوء ورود معلومات باعتزام المتظاهرين اقتحام مقر اﻹدارة قام باستئذان اللواء عاطف أبو شادي نائب رئيس الجهاز في هذا الوقت بنقل أرشيف اﻹدارة لمقر جهاز مباحث أمن الدولة بمدينة نصر لتأمينه وتمت عملية النقل مساء يوم 4 مارس 2011 واستمرت حتى صباح يوم 5 مارس 2011 حيث حضرت عدد 4 سيارات لوري تابعة لمديرية أمن القاهرة وقامت بنقل اﻷرشيف لمقر الجهاز السابق وأنه عقب ذلك تم اقتحام مقر الجهاز وتم استلام المقر بمعرفة القوات المسلحة

وأشار السيد اللواء معتصم مراد مدير اﻹدارة العامة للأمن بجهاز مباحث أمن الدولة إلى أنه تلقى اتصالًا من السيد اللواء عاطف أبو شادي نائب رئيس الجهاز في ذلك الوقت، حيث قرر له سيادته أن عدد من سيارات اللوري ستأتي للجهاز من اﻹدارة العامة لمباحث أمن الدولة بالقاهرة وبها اﻷرشيف. ثم تلقى اتصالًا من ضابط اﻷمن المسئول عن بوابات الجهاز يفيد بوصول السيارات اللوري المشار إليها دون معرفة ما بداخلها، وتم السماح لها بالدخول ولم يتم استلامها من أحد أفراد اﻷمن باعتباره غير مختص بذلك. وكانت إدارة اﻷمن تتولى التنسيق مع القوات المسلحة بشأن تأمين الجهاز على ضوء المعلومات الخاصة باحتمالات اقتحامه.

وأكد السيد اللواء هشام زهران أنه بمراجعة رئيس مجموعة المعلومات خلال تلك الفترة (العميد حاتم صلاح، منتدب حاليا لوزارة الخارجية) نفى إخطاره أو التنسيق معه من قبل اﻹدارتين المشار إليهما في ذلك الوقت حول استلام أو وصول أرشيفهما.

وعندما قامت النيابة العامة بمعاينة المقر الرئيسي للجهاز تبين لها وجود كميات ضخمة جدا من المستندات التي تم دشتها (فرمها)، وردا على ذلك يقول اللواء هشام عبد الفتاح أبو غيدة أمام النيابة العامة:

هو من حوالي شهر تقريبا صدر قرار من رئيس الجهاز السابق اللواء حسن عبد الرحمن بالتخلص من بعض المستندات وبعض الفروع بدأت في تنفيذ ذلك ولكن لم تسطع لضيق الوقت فأرسلت إلينا في المقر الرئيسي لفرم اﻷوراق بمعرفة اﻹدارة… غالبا تم الرجوع في ذلك اﻷمر لرئيس الجهاز السابق وهو الذي أمر بإرسال اﻷوراق التي لم تستكمل المقار الفرعية دشتها إلى المركز الرئيسي لدشت تلك اﻷوراق بالمركز الرئيسي مع ضمان تأمين وصول تلك المستندات إلى المركز الرئيسي

تولت إدارة الحفظ والمعلومات، برئاسة اللواء محمد جمال، عملية دشت المستندات التي تم ارسالها، بحسب أقوال اللواء هشام عبد الفتاح أمام النيابة العامة. وعن نوع المستندات التي تم دشتها يوم اقتحام المقر الرئيسي للجهاز والتي تبين وجودها عند معاينة النيابة العامة للمقر الرئيسي، يقول اللواء هشام عبد الفتاح:

بصفة عامة جميع اﻷوراق التي تم دشتها بمقر الجهاز هي أوراق غير هامة ومقدرش أحددها وهي معظمها تقارير متابعة ومكاتبات ونظرا لحالة الهجوم على مقر الجهاز فلا يتم تحرير محضر بأعمال الدشت على ما أعتقد

وهنا يطرح السؤال نفسه: أين ذهب أرشيف سري للغاية الموجود في مقر الجهاز بمدينة نصر؟

كانت المعاينة اﻷولى للنيابة العامة، يوم 5 مارس 2011، حيث ورد في محضر المعاينة على لسان أعضاء النيابة أنه تبين:

وجود الكثير من اﻷوراق والملفات واﻷدوات وأجهزة حاسب آلي قام المتظاهرين بتجمعها داخل جهاز أمن الدولة فقمنا بتجميع اﻷوراق والملفات والمستندات وبعض أجهزة الحاسب اﻵلي وقمنا بوضعها داخل سيارتين خاصيين بالقوات المسلحة وقمنا بالتوجه رفقة السيارتين بما تم التحفظ عليه لسراي النيابة مرة أخرى تحت حراسة القوات المسلحة وقمنا بالتحفظ على جميع اﻷوراق… وتم تعيين حرسة عليها من قبل القوات المسلحة

في 6 مارس 2011، في الساعة 11 صباحًا، قام أعضاء النيابة العامة برفقة حراسة من القوات المسلحة بالدخول إلى مقر الجهاز أمن الدولة اﻵخر المتواجد بشارع الطيران بدائرة قسم ثاني مدينة نصر، حيث تبين لهم:

وجود العديد من الكتب على المكاتب الموجودة بالدور اﻷرضي كما تم العثور على عدد ملفين خاصين ببعض التحريات وبعض للأشخاصكما تبين لنا وجود العديد من أجهزة الكمبيوتر تبين أنها خالية جميعها من الهارد دسك الخاصة بها. كما تبين لنا وجود اثار لحريق بعض المستندات واﻷوراق داخل المبنى في بعض الغرف وكذلك وجود اثار لحريق أوراق في الحديقة الملاصقة للمبنى المتواجدة بداخل سور مكتب المباحث.. وعليه قمنا بتسليم المبنى للنقيب أحمد الششتاوي الضابط بالقوات المسلحة وذلك للتحفظ عليه والتحفظ على كرتونه بداخلها عدد من المستندات والسديهات وقمنا بأصطحابها معه مرفق مع المحضر كرتونه بداخلها عدد من المستندات واﻷسطوانات المدمجة قمنا بالتحفظ عليها ووضعها رفقة المستندات واﻷجهزة واﻷدوات السابقة التحفظ عليها

بعد تحفظ النيابة العامة على الأوراق والمستندات وأجهزة الحاسب اﻵلي سواء كان هذا التحفظ في سراي النيابة أو في مقر الجهاز نفسه تحت حراسة القوات المسلحة، قامت النيابة العامة وفقا لمحضرها،في 6 مارس 2011 الساعة الواحدة ظهرًا، بمقابلة السيد محمود يونس، عميد بجهاز المخابرات الحربية، والمكلف من قبل القوات المسلحة لاستلام المستندات واﻷوراق والآلات واﻷدوات وأجهزة الحاسب اﻵلي الموجودة بمقر الجهاز. وبالفعل تم تسليم كافة ما تم التحفظ عليه سواء في المقر أو المضبوط وبحوزة النيابة العامة إلى اللجنة العسكرية المختصة بالقوات المسلحة. وكذلك تم تسليم السيارات الموجودة في المقر والمباني إلى أحد المسئولين في وزارة الداخلية، وتسليم سيارات الشرطة إلى مديريات اﻷمن المختصة.

وأكدت معاينة النيابة العامة لمقر مباحث أمن الدولة بمدينة نصر وفقا لتحقيقات النيابة مع كلًا من هشام عبد الفتاح أبو غيدة مساعد وزير الداخلية ورئيس جهاز أمن الدولة واللواء محمد جمال الدين مدير اﻹدارة المركزية لتداول المعلومات من وجود أربع سيارات نقل شرطة كبيرة محملة بالأوراق والمستندات.

  • الوثائق في فروع أمن الدولة..

يتناول التقرير في هذا الجزء نماذج لما حدث وتم في فروع جهاز مباحث أمن الدولة بالمحافظات، تم اختيار النماذج لكي تعبر عن أغلب الممارسات التي تمت في التعامل مع المستندات والوثائق.

  • إدارة جهاز أمن الدولة في 6 أكتوبر

تلقى مدير إدارة مباحث أمن الدولة بمنطقة 6 أكتوبر، اللواء عبد الحميد خيرت محمد شكري، تعليمات صادرة من اللواء حسن عبد الرحمن رئيس الجهاز تفيد بإعدام أرشيف سري للغاية، لذا قام بالتأشير على ذلك، وتشكيل لجنة لتنفيذ المعلومات الواردة من رئيس الجهاز.16 كما تلقى المقدم أسامة أبو ضيف أحمد، رئيس قسم المعلومات بالإدارة العامة بأكتوبر، تعليمات شفهية من العميد عصمت مهني، رئيس مجموعة العمليات باﻹدارة، تفيد بالتخلص من أرشيف سري جدا نظرا لخشية وقوع مداهمة لمقر اﻹدارة.17

يقول العميد عصمت محمد مهني: “اللواء/ معتصم مراد وكان مدير إدارة اﻷمن بالجهاز وسأل على المدير وأبلغته أنه في الاسكندرية فأبلغني بوجود تعليمات بإعدام السري جدا فأنا قلت له أبلغ المدير على المحمول وأنا سوف أبلغه وبالفعل كلمت المدير وقال لي أن أكلف أسامة أبو ضيف والاتصال به واتصلت بالمقدم/ أسامة أبو ضيف وأبلغته بفحوى اتصال معتصم وأنني اتصلت بالمدير وطلب مني أن أطلب منك الاتصال به وقال لي أسامة لازم أطلبه”.18

شكلت اللجنة ﻹعدام أرشيف سري للغاية من الرائد محمد محمود حسين والرائد أحمد نجم ومقدم الشرطة أسامة أبو ضيف أحمد رئيس قسم المعلومات. وعن ما قامت به اللجنة يقول محمد محمود حسين عضو اللجنة:

توجهت إلى المقدم أسامة أبو ضيف بالدور اﻷخير مقر اﻷرشيف وكان موجود النقيب أحمد نجم ودخلنا حجرة داخل صالة اﻷرشيف وهي غرفة مغلقة خاصة باﻷرشيف سري للغاية وهو كان الموجود في السري للغاية ملف واحد في حوالي 30 ورقة تقريبا وقام المقدم أسامة أبو ضيف في حضورنا بفرمه19

  • إدارة جهاز أمن الدولة بالجيزة

يشير اللواء محمد عصام عبد الوهاب،20 مدير إدارة مباحث أمن الدولة بالجيزة، إلى أنه في شهر فبراير وردت معلومات مفادها أنه سيتم التجمع أمام إدارة أمن الدولة بالجيزة. وتم نشر هذه الدعوة على شبكة الإنترنت. وخوفا على أرشيف الفرع، تم الاتصال برئاسة الجهاز ﻷخذ موافقتهم على نقل اﻷرشيف إلى مكان آمن. وبعد موافقة رئيس الجهاز اللواء حسن عبد الرحمن على نقل اﻷرشيف إلى إدارة 6 أكتوبر باعتبارها أكثر أمنًا، تم تكليف ضباط اﻹدارة وأحضروا حوالي 3 عربات نقل لوري من مديرية اﻷمن وتم نقل اﻷرشيف مقسما على 3 مرات تقريبا. كان ذلك في حراسة قوات الشرطة، وكان ذلك قبل يوم 27 فبراير 2011، وهو الموعد المحدد للوقفة الاحتجاجية. ويوم 26 فبراير 2011 ورد كتاب دوري من رئيس الجهاز يفيد بإعدام أرشيف سري للغاية. قام اللواء محمد عصام عبد الوهاب بالتأشير عليه لمسئول اﻷرشيف، ثم عاد إليه هذا المسئول، وهو العميد محمد ناجي، وأبلغه أن أرشيف سري للغاية سبق نقله إلى إدارة 6 أكتوبر. ويقول اللواء محمد عصام أمام قاضي التحقيق:

في يوم 4/ 3/ 2011 شاهدت في التليفزيون اقتحام مبنى مباحث أمن الدولة بالاسكندرية والاعتداء على الضباط وأمام ضغط الضباط خوفا من تكرار ما حدث بالاسكندرية طلبت إخلاء اﻹدارة وعملت اجتماع حضره ممثلين عن مديرية اﻷمن بالجيزة وأحد ضباط القوات المسلحة لوضع خطة استلام المبنى ومشتملاته وتم عمل معاينة ﻷجراء تسليمه الساعة الثامنة صباحا وتم تسليم المقر لهم يوم

ويوضح اللواء محمد عصام لقاضي التحقيق أنه، في 4 مارس 2011، اتصل به العميد أسامة الفقي مدير مكتب رئيس الجهاز، وطلب منه إرسال خمسة ضباط ﻹدارة أكتوبر، حيث سيتلقون التعليمات هناك، وبالفعل تم اﻷمر بإرسال خمسة ضباط إلى هناك. ويقول أمين الشرطة أحمد حسانين حسانين،21 أنه في يوم 4 مارس 2011 :

“صدرت لي تعليمات عن طريق التليفون المحمول من رقم تليفون خاص إلى التوجه إلى إدارة 6 أكتوبر وهناك سأتلقى التعليمات فتوجهت إلى اﻹدارة ووصلت الساعة الثانية صباح يوم 5/ 3/ 2011 وكان هناك ضابط عظيم مبيت العميد/ عصمت مهني وشاهدت المقدم/ أسامة أبو ضيف وكان هناك عملية حرق ﻷوراق بجوار سور اﻹدارة بالداخل وأنا توجهت لمقر اﻷرشيف بالدور السادس وشاهدت أن الملفات الخاصة بإدارة أكتوبر وإدارة الجيزة أقل مما كانت عليه وكان المجندين يقومون بنقل الملفات وإنزالها إلى اﻷسفل ومن ضمنها ملفات إدارة الجيزة وحوالي الساعة الثالثة أو الثالثة والربع شاهدت كل من المقدم/ عاصم الشامي، النقيب/ اسلام سامي، والنقيب/ محمد رياض، والرائد/ محمد كمونة، والنقيب/ محمد شرشر وصلوا إدارة أكتوبر حوالي الساعة الثالثة والربع وشاهدت دخولهم لمبنى اﻹدارة وأنا توجهت إلى الدور اﻷخير الموجود به اﻷرشيف وقعدت بمقر اﻷرشيف كموظف أرشيف وتم إنزال الملفات كلها بمعرفة المجندين

ويقول أيضًا أن النقيب اسلام سامي “طلب مني الصعود لمقر اﻷرشيف والاشراف على سرعة نزول الملفات بمعرفة المجندين وكانت الملفات مربطة وكان المجندين يقومون بإنزالها للدور اﻷرضي عن طريق إلقاءها من بير السلم وكان يتم نقلها بسيارة نصف نقل لمكان حرقها”. ويستمر “وإحنا فضلنا حتى صباح اليوم التالي وأنا نزلت مع أخر الملفات حوالي الساعة العاشرة صباحا يوم 5/ 3/ 2011”.

وعن هذه الواقعة يقول العميد حسين محمد عبد الرحيم أمام قاضي التحقيق:

في حدود الساعة العاشرة والنصف أو الحادية عشر دخلت مكتب مدير اﻹدارة اللواء/ عبد الحميد خيرت للاستأذان فشاهدت من مكتبه بعض اﻷفراد يتجمعون حول المبنى فطلب مني متابعة الموقف وازدادت اﻷعداد وعندما خرجت من المبنى كان هناك أثار لحريق أوراق بجوار السور وعند سؤالي علمت أنه كان هناك مجموعة من أفراد من إدارة الجيزة حضروا ﻹعدام أوراق خاصة بإدارة الجيزة داخل مبنى أكتوبر باعتباره أكثر أمنا من إدارة الجيزة وتم التحفظ على أحد أمناء الشرطة بمعرفة النيابة ويدعى أحمد حسين وهو أقر أنه كان ومجموعة من الضباط من إدارة الجيزة يقومون بإعدام بعض اﻷوراق الخاصة بإدارة الجيزة22

فرع جهاز مباحث أمن الدولة بالدقهلية

يشير اللواء غازي الدسوقي مفتش مباحث أمن الدولة بالدقهلية سابقًا،23أنه بتاريخ 26 فبراير 2011 تلقى تعليمات عبر الفاكس من اللواء حسن عبد الرحمن مساعد أول وزير الداخلية تتضمن إلغاء أرشيف سري للغاية، وإعدام محتوياته عن طريق الفرم، وقال:

قمت بالتأشيرة عليه للعميد ناصر فتوح رئيس مجموعة المعلومات ووكيل اﻹدارة لاتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ التوجيه بالتنسيق مع رؤساء المكاتب الخارجية وأوضحت له أهمية الموضوع وعجالته نظرا للأحداث الجارية

وقال أيضًا عن التعليمات:

في ظروف استثنائية وعدم تنفيذ التعليمات في تلك الظروف التي وردت من رئيسي مباشرة كان سيؤدي إلى مسائلتي القانونية أو اﻹدارية أو التأديبية ولم يكن إعدام تلك المستندات بقصد إخفاء جريمة معينة وإنما كان لحماية المعلومات الواردة بها والمصادر التي كانت تتعامل مع الجهاز خاصة وأن تسريب تلك المعلومات كان سيؤدي إلى إحداث الفتن لما يتضمنه من أسماء لمشهر إسلامهم وتسرب تلك اﻷسماء قد يؤدي إلى فتنة بمنطقة ساكنهم

وتنفيذا للتعليمات بعد تأشير اللواء غازي الدسوقي باتخاذ التدابير اللازمة، قام العميد ناصر عبد العظيم إبراهيم فتوح،24 ضابط بإدارة مباحث أمن الدولة بالدقهلية سابقًا، بإبلاغ الرائد أحمد عاطف ضابط اﻷرشيف بتحديد الملفات واﻷوراق المعنية باﻹلغاء وهي أرشيف سري للغاية وقام بفرم تلك الملفات بمساعدة بعض العاملين باﻷرشيف. وبسؤاله عن أن الثابت من معاينة النيابة وجود كميات هائلة من المستندات المفرومة وكمية كبيرة جدا جدا من المستندات التي تم حرقها، قال:

اﻷوراق المفرومة المشار إليها تمثل مخلفات وأوراق خاصة بالسادة الضباط العاملين باﻹدارة والذين ارتأوا عدم جدوى وجودها طرفهم لكونها مهملات وذلك على أثر الهجمات ومحاولات التعدي المتكررة على المبنى والتي كانت تهدد باقتحامه هذا فضلا عن كون تلك اﻷوراق نتجت من تواجد كم كبير من قوات اﻷمن المركزي والقوات المسلحة لتأمين المكان وأن أنسب الطرق للتخلص من تلك اﻷوراق والمخلفات كان الحرق وذلك لعدم تواجد أحد من المسؤولين والعمال بالحي للقيام بأعمال النظافة

  • فرع جهاز مباحث أمن الدولة البحر اﻷحمر:

يشير العميد باﻷمن الوطني فهمي محمد فهمي مجاهد،25 مدير إدارة السويس، أنه تلقى تعليمات عبر الفاكس من رئيس الجهاز وأيضًا من خلال اتصال تليفوني من العميد حاتم صلاح، المسئول عن المعلومات برئاسة الجهاز، تفيد بإعدام أرشيف سري للغاية، واستجابة لتلك التعليمات أشر على الفاكس للمقدم طارق بصفته المسئول عن الأرشيف والمعلومات بالفرع لتنفيذ التعليمات ونفذ اﻷمر فيما يخص السري للغاية عن طريق الفرم.

أما فيما يخص أرشيف سري جدا يقول العميد فهمي أمام قاضي التحقيق:

أرشيف سري جدا لا يقل أهمية ع أرشيف سري للغاية لأن أرشيف سري جدا أقل مكاتبة فيه مثل مكاتبات استطلاعات الرأي وهي تمثل من يتم استطلاع الرأي لهم ابتداءا من السجلات التجارية حتى استطلاع الرأي للشخصيات التي يتم تعيينها في وظائف هامة حتى الدرجة الرابعة وأرشيف السري جدا بيانات شخصية عن الكثير من المواطنين من ضمن المستندات التي يحتويها السري جدا المشهر إسلامهم ولتلك اﻷهمية قمنا بالتخلص منه بناء على تعليمات سابقة

وعن من أصدر تعليمات بإعدام أرشيف سري جدا يقول فهمي:

صدرت التعليمات من العميد/ أسامة الفقي مدير مكتب اللواء/ حسن عبد الرحمن وهي وردت على مرتين في عهد اللواء/ حسن عبد الرحمن بأن تعليمات رئيس الجهاز بالتخلص من السري جدا بالفرم أو بالحرق ومع ذلك لم أنفذ اﻷمر واحتفظت بها لحين الوقت المناسب إما بتسليمها لمديرية اﻷمن ولكن تصاعد اﻷحداث تم عرض اﻷمر بتسليم اﻷرشيف السري جدا للسيد مدير أمن البحر اﻷحمر ولكن سيادته رفض بدعوى عدم وجود مكان يستوعب اﻷرشيف وكان متوترا ويخشى الاعتداء على المديرية لو وصل العلم للمتظاهرين وفي حينه وفي حين وجود سيادته تم الاتصال بالسيد اللواء/ عماد الوكيل مدير قطاع اﻷمن المركزي لمنطقة جنوب الصعيد والذي أقر بعد قبوله اﻷرشيف لما يمثله من حساسية وخطورة على قطاع البحر اﻷحمر اﻷمر الذي دعاني إلى نقل اﻷرشيف لمنطقة صحراوية أمنة بعيدا عن الفرع لعدم حدوث أية تلافيات به واتلافها وحرقها

يقول المقدم طارق جمعة مهدي،26 بقطاع أمن الدولة بالبحر اﻷحمر، أمام قاضي التحقيق:

أبلغني مفتش الفرع أنه تلقى تعليمات من رئاسة الجهاز بحرق اﻷرشيف في مكان أمن بعيد عن الفرع فأخذت اﻷرشيف في عربية نقل كبيرة على الطريق الدائري لمدينة الغردقة وقمت بحرق الملفات بمدينة نأية بالغردقة وتم إبلاغ القوات المسلحة التي حضرت وأطفأت الحريق وأخذت الملفات التي يتم حرقها

  • فرع جهاز مباحث أمن الدولة بأسوان

تلقى العميد عبد الجواد النجار مفتش فرع أسوان تعليمات رئيس جهاز مباحث أمن الدولة، بإعدام أرشيف سري للغاية، من خلال الكتاب الدوري. وأشر عليه لضابط اﻷرشيف لتنفيذه، ثم قام بتسليم التعليمات إلى الضابط أحمد محمد إبراهيم أبو زيد، والذي قام بدوره باطلاع ضابط اﻷرشيف الرائد طارق مصطفى عليه لقيامه بتنفيذ التعليمات الواردة بالكتاب الدوري.27

ويقول أحمد محمد إبراهيم أبو زيد:

العميد عبد الجواد ترك لي كتابا واحد بأرشيف السري للغاية والتاني للأرشيف كله وكان في اتصال تليفوني من أمن الجهاز بسرعة التنفيذ

وردًا على سؤال قاضي التحقيق حول الدخان الكثيف بمقر أمن الدولة فرع أسوان يوم 6 مارس 2011، قال:

جهاز أمن الدولة السابق قائم على نظام وجود محرقة بكل فرع من فروعه لحرق اﻷوراق الغير هامة والذي يصدر قرار بإعدامها واﻷوراق الدشت ويمكن يكون الدخان نتيجة لذلك”. أما عن تلال اﻷوراق المفرومة وأكوام اﻷوراق المحترقة يقول: “اﻷوراق المفرومة نتيجة تنفيذ التعليمات أما عن الرماد فنتيجة لما هو متبع بصفة دائمة وقبل تلك اﻷحداث بوجود محرقة بالنسبة ﻷوراق التي يتعين إعدامها أو الغير هامة أو الدشت لعدم تداولها”.

ويشير العميد عبد الجواد أنه عقب تنفيذ التعليمات انقطعت الاتصالات برئاسة الجهاز وتم اقتحام مقرات أمن الدولة من قبل بعض المواطنين وتم ترك مقر الفرع ولم تحدث اتصالات مع أحد، ولكن تم إعطاء التعليمات بالتنفيذ سواء بالكتاب الدوري أو الشفاهية أو الفاكسات دون أخذ تمام التنفيذ نظرا لترك المقرات عقب التنفيذ.

فرع جهاز مباحث أمن الدولة بني سويف:

يحكي اللواء مدحت كمال الدين حسين، 28مفتش مباحث أمن الدولة بفرع بنى سويف، من أنه تلقى فاكس بتوقيع اللواء حسن عبد الرحمن بإعدام أرشيف سري للغاية، وبعد تلقى تلك التعليمات تم تنفيذها عن طريق الفرم وأخطرت الجهاز بأنه تم التنفيذ وبيان بأرقام الملفات وعددها بالنسبة لأرشيف سري للغاية فقط وفقا للتعليمات. وبعد تولى اللواء هشام أبو غيدة رئاسة الجهاز أتصل العميد أسامة الفقي مدير مكتبه وأبلغني بالتعامل مع اﻷرشيف من خلال ثلاثة اختيارات: الحفظ بمكان آمن أو الحفظ بمديرية اﻷمن أو التخلص منه، ويقول أيضًا:

نظرا لحداثة خدمتي بمحافظة بني سويف حيث توليت مفتش أمن الدولة بتاريخ 4/ 1/ 2011 قمت بمراجعة مدير اﻷمن حول تنفيذ التوجيه وأشار بعدم وجود مكان لحفظ اﻷرشيف في المديرية نظرا لضيق المكان واستبعد مكان أمن بالمحافظة للاحتفاظ باﻷرشيف وتم الاتفاق معه بالتخلص من اﻷرشيف السري جدا وهو عبارة عن صور المكاتبات الفروع أصولها برئاسة الجهاز ورقية وكذا من خلال الحاسب اﻵلي ثم كان ﻹعدام تلك الصور في الصحراء المتاخمة لمدينة بني سويف وهو المكان المخصص ﻹعدام مخلفات مديرية اﻷمن وأمن السيد مدير اﻷمن تلك المأمورية بمجموعة من اللواري والقوات النظامية والبحث وكذا الحماية المدنية وأحد اللوادر من الوحدة المحلية لمرافقة تلك المأمورية فأعطيت التعليمات لضباط اﻷرشيف وضباط الفرع بنقل ملفات السري جدا بالسيارات إلى الصحراء وتم حرقها وأنا كنت أتابع المأمورية مع مدير اﻷمن من مكتبه

  • فرع جهاز مباحث أمن الدولة الشرقية:

كباقي الفروع تسلم فرع الشرقية نفس التعليمات الصادرة عن رئيس الجهاز بإعدام أرشيف سري للغاية، باﻹضافة إلى التعليمات الشفاهية بالتخلص من كافة المستندات. تلقى التعليمات مفتش الفرع اللواء مجدي سلطان، الذي قام بدوره بإبلاغ اللواء هشام كمال عبد الجواد، وكيل فرع الشرقية لجهاز مباحث أمن الدولة. يشير اللواء هشام عبد الجواد،29 أنه تلقى معلومات شفاهية من العميد حاتم صلاح مسئول المعلومات بالجهاز بإعدام باقي اﻷرشيف، وأنه قام بإعداد مذكرة تم عرضها على مفتش الفرع، وكان مضمون التعليمات الشفاهية كما يقول أمام قاضي التحقيق:

هو قرار أخر في ظل الظروف اﻷمنية السائدة بالبلاد في حالات المظاهرات العارمة بالبلاد وما حدث من اقتحامات لبعض فروع وإدارات الجهاز ببعض المحافظات واستيلاء البعض على العديد من المستندات باﻷرشيف الخاص بهذه اﻹدارات وما يمثله ذلك من خطورة كبيرة على أمن معلومات التي تخص اﻷمن القومي المصري إضافة إلى أمن اﻷشخاص الذين ترتبط بهم بعض المعلومات موضوع بعض المكاتبات بها باﻷرشيف وعليه يمكن أن تؤدي بالخطورة على حياة هؤلاء اﻷشخاص من قبل بعض اﻷفراد والجماعات التي تعتقد أن الجهاز كان يعمل ضد مصالحها الخاصة حفاظا على أروح اﻷشخاص المتعاونة مع الجهاز المصادر السريةفإنه يرى إعدام أرشيف الفرع عن طريق الفرم أو لو أمكن نقله لمديرية اﻷمن أو مبنى الجهاز بالقاهرة

أوضح اللواء هشام عبد الجواد أن جميع المستندات الموجودة بأرشيف الفرع بدرجات سريتها المختلفة سواء سري للغاية أو سري جدا أو سري، هي عبارة عن صورة مكاتبات توجد أصولها جميعا في اﻷرشيف الرئيسي، بالجهاز في القاهرة. وعن طريقة تنفيذ التعليمات يقول:

“أحب أن أوضح أن جميع فروع وإدارات الجهاز بلا استثناء توجد بها محارق للأوراق ويتم بصفة دورية حرق أوراق الدشت التي تكون مسودات للمكاتبات الصادرة إلى جهات المختلفة إضافة إلى أن الفرع يقوم بصفة دورية بعمل لجان ﻹعدام العديد من من الملفات الخاصة باﻷوراق المختلفة والتي تسبب تكدس في أرشيف الفرع وبالنسبة للتعليمات التي وردت تم فرم أرشيف السري للغاية وكذلك اﻷرشيف السري جدا وبعدما تم الفرم قمنا بالحرق“.

هكذا سارت عملية إعدام الأرشيف في فروع أمن الدولة في محافظات مختلفة. وهنا تجدر الإشارة ختاما إلى أن مسؤولي فروع جهاز مباحث أمن الدولة اجمعوا على تلقيهم تعليمات شفاهية بالتخلص من أرشيف سري جدا الموجود بالفروع من مكتب رئيس الجهاز، حيث تكرر اسم كلا من أسامة عامر عبد الرحمن الفقي مدير مكتب رئيس الجهاز، حاتم صلاح عبد المجيد سيد أحمد رئيس مجموعة المعلومات. وهذا ما أنكره مدير مكتب رئيس الجهاز ورئيس مجموعة المعلومات من أنهم لم يصدروا أي تعليمات سوى الواردة بقرار رئيس الجهاز حسن عبد الرحمن بالتخلص فقط من أرشيف سري للغاية، وذلك خلال التحقيقات أمام قاضي التحقيق.

نعتقد أنه من الأهمية هنا وختاما لهذا الجزء من التقرير الإشارة كذلك إلى ملحوظات قاضي التحقيق الواردة في قائمة أقوال الشهود وأدلة الثبوت، وهي كالتالي:

  1. اعترف المتهمون من اﻷول وحتى الثاني عشر بقيامهم بإتلاف مستندات خاصة بجهة عملهم (جهاز مباحث أمن الدولة) واعترف المتهمون من الرابع والعشرين حتى الواحد والثلاثون بإصدار تعليمات باتلاف مستندات خاصة بجهة عملهم (جهاز مباحث أمن الدولة).
  2. ثبت من معاينة النيابة العامة لمقر مباحث أمن الدولة بأسيوط وجود عدد من اﻷجولة بداخلها قصاصات ورقية وكميات من اﻷوراق المحترقة وجدت ساخنة لحظة المعاينة.
  3. ثبت من معاينة النيابة العامة لمقر مباحث أمن الدولة بأسوان خلو المكاتب من المستندات وأثار فرم لكمية كبيرة جدا من المستندات، ووجود خمس اﻷت فرم مستندات محاطة بتلال من اﻷوراق المفرومة.
  4. ثبت من معاينة النيابة لمكان حرق مستندات فرع مباحث أمن الدولة بالبحر اﻷحمر (الغردقة)، انه مكان على جانب الطريق الجبلي غير ممهد والحريق على بعد مائة متر تقريبا من الطريق الدائري، وثبت من المعاينة وجود احتراق لعدد كبير من المستندات والنيران مشتعلة بكومة كبيرة من الملفات، وتمكن أفراد القوات المسلحة من استخراج عدد كبير من ملفات مباحث أمن الدولة بعد ان تم إخماد الحريق.
  5. ثبت من معاينة النيابة العامة لمقر مباحث أمن الدولة بالشرقية وجود اثار حريق لعدد كبير جدا من المستندات واﻷوراق الخاصة بمباحث أمن الدولة وبمكتب مفتش الفرع مفرمة أوراق بداخلها كمية من اﻷوراق المفرومة.
  6. ثبت من معاينة النيابة العامة لمكان إعدام مستندات مباحث أمن الدولة ببني سويف انه عبارة عن منطقة صحراوية على بعد 700 متر من أقرب بناية وهي منطقة صحراوية وجبلية ووجد بها آثار لحفرة تم ردمها ويوجد حولها أوراق مبعثرة خاصة بمباحث أمن الدولة وبها آثار حريق.
  7. ثبت من معاينة النيابة العامة لمكتب مباحث أمن الدولة بالطالبية وجود كمية كبيرة من اﻷوراق المفرومة وبعض اﻷوراق بها آثار حريق.

وفقا للتحقيقات الرسمية في قضية فرم المستندات، فإن مستندات جهاز أمن الدولة تعرضت للحرق والفرم في عدة فروع، وكذلك في الفرع الرئيسي، بينما تحفظت القوات المسلحة على المستندات والمحتويات التي كانت في فرع الجهاز الرئيسي بمدينة نصر. وبذلك، اصبح اﻷرشيف الأمني لجهاز أمن الدولة، بعد وقائع اقتحام مقار الجهاز في مارس 2011، في حوزة القوات المسلحة.

  • معلومات أساسية عن قضية فرم المستندات

تحمل القضية المعروفة إعلاميا بفرم المستندات رقم 3658 لسنة 2011 جنايات أول أكتوبر المقيدة رقم 2198 لسنة 2012 كلي جنوب الجيزة.

  • المتهمون:

1- ناصر عبدالعظيم ابراهيم فتوح: عميد شرطة بمصلحة الجوازات، وسابقا ضابط بإدارة مباحث أمن الدولة بالدقهلية، ومقيم بالمنصورة.

2- طارق جمعة مهدي عبد الصادق: مقدم شرطة بقطاع الأمن الوطني، وسابقا ضابط بفرع مباحث امن الدولة بالبحر الاحمر، ومقيم في المركز السياحي – الغردقة.

3-محمد السيد طاهر الشريف: عميد شرطة مدير إدارة الأمن الوطني بأسيوط، وسابقا رئيس مكتب مباحث أمن الدولة بنجع حمادي.

4-طارق علي محمد مصطفي: مقدم شرطة بمصلحة الجوازات، وسابقا ضابط بفرع مباحث أمن الدولة بأسوان.

5-احمد محمد عبدالحميد شكري: رائد شرطة بقطاع الامن الوطني، وسابقا ضابط بفرع مباحث أمن الدولة ببني سويف، ومقيم في المعادي – القاهرة.

6- هشام كمال عبد الجواد النجار: لواء شرطة بمديرية امن الاسكندرية، وسابقا وكيل فرع مباحث أمن الدولة بالشرقية، ومقيم في دمنهور – البحيرة.

7- علاء السيد ابراهيم محلب: رائد بقطاع الامن الوطني بدمياط، وسابقا ضابط بفرع مباحث امن الدولة بدمياط، ومقيم في بورفؤاد – بورسعيد.

8-وائل عبد السميع محمد الرفاعي: مقدم شرطة بمديرية أمن دمياط، وسابقا ضابط بفرع مباحث أمن الدولة بدمياط.

9- اسامة ابو ضيف احمد محمد : مقدم شرطة بقطاع الأمن الوطني بالجيزة، وسابقا ضابط بإدارة مباحث امن الدولة اكتوبر، ومقيم في الشيخ زايد – الجيزة.

10-الطيب محمد حامد : مقدم شرطة بقطاع الأمن الوطني، وسابقا ضابط بفرع مباحث أمن الدولة بسوهاج.

11- سمير عبدالمجيد حسن عبد المجيد: لواء شرطة بإدارة الخدمات الطبية، وسابقا مفتش مباحث أمن الدولة بالفيوم.

12- عصمت محمد مهني عبدالعال: عميد شرطة، وسابقا ضابط بإدارة مباحث أمن الدولة بأكتوبر، ومقيم في الهرم – الجيزة.

13- محمد محمود حسين محمود حسين: نقيب شرطة بقطاع الأمن الوطني، وسابقا ضابط بإدارة مباحث امن الدولة بأكتوبر ومقيم في المعادي – القاهرة.

14- احمد محمد احمد نجم: نقيب شرطة بالإدارة العامة لشرطة السياحة والآثار، وسابقا ضابط بإدارة مباحث أمن الدولة بأكتوبر، ومقيم في العجوزة – الجيزة.

15- السيد عبده فرج حسانين: رئيس قسم الشئون القانونية بمديرية أمن الاسماعيلية، وسابقا رئيس مكتب مباحث أمن الدولة بفاقوس.

16- عمرو محمد سالم إمام شعلان: نقيب شرطة بإدارة الأمن الوطني بالغربية، وسابقا ضابط بمكتب مباحث أمن الدولة بزفتى.

17-احمد حازم احمد زكي حماد: نقيب بإدارة الأمن الوطني بالغربية، وسابقا ضابط بمكتب مباحث امن الدولة بزفتى، ومقيم في طنطا ثان – الغربية.

18- محمد فتحي عبدالرحمن سمحان: عقيد شرطة بإدارة الأمن الوطني بالقليوبية، وسابقا رئيس مكتب مباحث أمن الدولة بزفتى.

19- اشرف عبدالعزيز حسانين احمد ابو المكارم : ضابط شرطة بجهاز الأمن الوطني، وسابقا ضابط بفرع مباحث أمن الدولة بأسيوط.

20- حسام عبد الرزاق احمد عثمان: مقدم شرطة بقطاع الامن الوطني، وسابقا ضابط بفرع مباحث امن الدولة بأسيوط.

21- وليد جمال توفيق شعيب: مقدم شرطة بمصلحة الجوازات بشرم الشيخ، وسابقا رئيس مكتب امن الدولة بالطالبية، ومقيم في الهرم – الجيزة.

22- محمد صالح يوسف ابو رية: نقيب شرطة بمصلحة الجوازات، وسابقا ضابط مباحث أمن الدولة بدسوق، ومقيم في مركز قطور – الغربية.

23- محمد علي ابراهيم فهمي: لواء شرطة مدير إدارة التخطيط والبحوث والمتابعة، وسابقا مدير إدارة مباحث أمن الدولة بحلوان.

24- حسن محمد عبدالرحمن: الرئيس السابق لجهاز مباحث امن الدولة، مقيم في شارع الملك الصالح – المنيل.

25- محمد غازي غازي الدسوقي: لواء شرطة وكيل مصلحة الاحوال المدنية، وسابقا مفتش مباحث أمن الدولة بالدقهلية.

26- فهمي محمد فهمي مجاهد: عميد شرطة بجهاز الأمن الوطني، وسابقا مفتش فرع مباحث أمن الدولة بالبحر الاحمر، مقيم في مصر الجديدة – القاهرة.

27- احمد محمد ابراهيم ابو زيد: عميد شرطة بإدارة أمن الموانئ، وسابقا ضابط بفرع مباحث أمن الدولة بأسوان.

28- مدحت كمال الدين حسين: لواء شرطة باتحاد الشرطة الرياضي، وسابقا مفتش مباحث أمن الدولة ببني سويف.

29- محمد شريف عبدالله عبدالباقي العجماوي: لواء شرطة بمصلحة الاحوال المدنية، وسابقا مفتش فرع مباحث أمن الدولة بالسويس، ومقيم في مصر الجديدة – القاهرة.

30- مجدي محمد سلطان: لواء شرطة بالمعاش، وسابقا مفتش فرع مباحث أمن الدولة بالشرقية، ومقيم في عمارات الشرطة سموحة – اسكندرية.

31- مدحت عبدالله المحمدي محمد يوسف: لواء شرطة مدير إدارة الأمن الوطني بالدقهلية، وسابقا مفتش فرع مباحث أمن الدولة بدمياط، ومقيم في الإسماعيلية.

32-علي اشرف عبد المجيد علي سليم: عميد شرطة بمديرية أمن الجيزة، وسابقا مفتش فرع مباحث أمن الدولة بسوهاج.

33- سمير عبد المجيد حسن عبدالمجيد: لواء شرطة بإدارة الخدمات الطبية، وسابقا مفتش فرع مباحث أمن الدولة بالفيوم.

34- عادل محمود علوان النجار: لواء شرطة مساعد الفرقة (د) بقطاع غرب مديرية الاسكندرية، وسابقا مفتش مباحث أمن الدولة بالغربية.

35- عبدالحميد خيرت محمد شكري عبدالحميد عبدالرازق: لواء شرطة بالمعاش، وسابقا مدير إدارة مباحث أمن الدولة بأكتوبر، ومقيم في ميامي – الاسكندرية.

36- عاصم علي محمد الشامي: مقدم بجهاز الأمن الوطني، وسابقا ضابط بإدارة مباحث أمن الدولة بالجيزة، ومقيم في حدائق الاهرام – الجيزة.

37- اسلام سامي محمود محمد مصطفي: رائد شرطة بديوان عام وزارة الداخلية، وسابقا ضابط بإدارة مباحث أمن الدولة بالجيزة، ومقيم في الشيخ زايد – 6 اكتوبر.

38-محمد رياض محمد ابو علي: رائد شرطة بجهاز الأمن الوطني بالجيزة، وسابقا ضابط بإدارة مباحث امن الدولة بالجيزة، ومقيم في مصر القديمة – القاهرة.

39-محمد حسين حسين شرشر: ضابط شرطة بمصلحة الجوازات والهجرة الجنسية، وسابقا ضابط بإدارة مباحث امن الدولة بالجيزة، ومقيم في سرس الليان – المنوفية.

40- محمد احمد محمود كمون: رائد شرطة بقطاع الأمن الوطني، وسابقا ضابط بإدارة مباحث أمن الدولة بالجيزة، ومقيم في الساحل – القاهرة.

41- نادر جلال عزت عامر: عميد شرطة بمديرية أمن 6 أكتوبر، وسابقا مفتش فرع مباحث أمن الدولة بأسيوط.

الاتهامات:

لأنهم في غضون الفترة من 25 فبراير 2011 وحتى 6 مارس 2011، بدائرة محافظة الجيزة ومحافظات الجمهورية الأخري،

أولا: المتهمون من الأول حتى الثالث والعشرين:

بصفتهم موظفين عموميين (ضباط شرطة بجهاز مباحث أمن الدولة) أتلفوا عمدا أوراق الجهة التي يعملون بها، بأن قاموا بفرم ووضع النيران بأرشيف إدارات وفروع ومكاتب جهاز أمن الدولة علي النحو الوارد بالتحقيقات.

ثانيا: المتهمون من الرابع والعشرون وحتى الأربعين:

بصفتهم موظفين عموميين (ضباط شرطة بجهاز مباحث أمن الدولة ) اشتركوا بطريقي التحريض والمساعدة مع المتهمين من الأول حتى الثالث والعشرين في ارتكاب جريمة الإتلاف العمدي لمستندات الجهة التي يعملون بها، بأن حرضوهم على ارتكابها وساعدوهم بأن أصدروا التعليمات لهم ولمعاونيهم التي مكنتهم من إرتكاب تلك الجريمة بناء علي ذلك التحريض وتلك المساعدة.

ثالثا: المتهمون جميعا:

بصفتهم موظفين عموميين أضروا عمدا بمصالح الجهة التي يعملون بها (جهاز أمن الدولة) بأن اتلفوا أرشيف إدارات وفروع ومكاتب الجهاز علي النحو الوارد بالتحقيقات مما أدي إلى حرمان الجهاز والدولة من معلومات ووثائق هامة لأمنها القومي.

حاول التقرير من خلال المحور الثاني أن يستخلص أهم أقوال المتهمين في قضية فرم المستندات ويبرزها للإجابة على سؤال ماذا حدث للأرشيف الأمني وما مصير ما تبقى منه، وانتهى المحور الثاني بعرض معلومات القضية الأساسية، سواء من حيث بيان المتهمين بها ومسئولياتهم داخل جهاز أمن الدولة، وأيضا من حيث طبيعة الاتهامات التي وُجهت لهم، والتي لم تسفر عن حساب حقيقي لهم، حيث انتهت الدعوى القضائية إلى حصول المتهمين على البراءة. لتبقى ممارسات المسئولين والضباط في جهاز أمن الدولة بلا رادع من القانون، ويبقى الأرشيف الأمني محجوب عن المواطنين. وهذا ما يتطرق له التقرير في المحور التالي، في محاولة لبيان أهمية الأرشيف الأمني من خلال إلقاء الضوء على تاريخ جهاز أمن الدولة في مصر.

المحور الثالث: سياقات اقتحام مقار أمن الدولة

“للحق في الحقيقة (الكشف عن الحقيقة) في السياق المصري مركزية خاصة في ما يتعلق بأرشيف الجهاز الأمني الذي ثارت ضده الجموع لما عرف عنه من أنه جهاز يستخدم أساليب ممنهجة في التعذيب وان له باعا في انتهاكات حقوق الإنسان. ولما عرف عن دور هذا الجهاز الأمني في حالة الفساد السياسي والمالي والإداري التي مرت بها جمهورية مصر العربية من عمليات إدارة الانتخابات وسلطاتهم في التعيينات الوظيفية وغيرها بحيث وصل الأمر أن تحول دور الشرطة والداخلية من جهاز في خدمة الشعب إلى جهاز في خدمة الحاكم.”30

يتناول التقرير في هذا المحور الثالث والأخير السياقات التي يمكن من خلالها أن نفهم وقائع اقتحام مقار أمن الدولة في العام 2011، ورغم أن مؤسسة حرية الفكر والتعبير تركز في عملها على تقديم الروايات البديلة، والاستفادة من أوراق الدعاوى القضائية، للحفاظ على الذاكرة الجماعية ﻷحداث ثورة 25 يناير وغيرها، إلا أن هذا التقرير يستدعي جهدا أكبر. فبدون النظر لماهية هذا الجهاز والتطرق ﻷهمية أرشيفه، نكون قد تناولنا وقائع اقتحام مقار أمن الدولة بطريقة مبتسرة، لا تساعد على تحقيق أهداف مثل هذه التقارير. لذا، فإن هذا المحور يضيف للقارئ أبعادا وسياقات مهمة، تساعد على فهم ما حدث في مارس 2011.

يتناول التقرير في هذا الجزء أرشيف جهاز أمن الدولة كجزء من الأرشيف الأمني المصري، كما يعتني بشرح دور الأرشيف في عملية العدالة التاريخية والانتقالية، من حيث أن الكشف عن أرشيف أمن الدولة وعن المعلومات الواردة فيه يعد جانبا من حقوق الإنسان. وهذا الحق لم يتم الالتفات له من قبل الحكومات المصرية المتتابعة منذ قيام الثورة المصرية. فالتظاهرات التي وقعت أمام مقار أمن الدولة بالقاهرة والإسكندرية في ٤ و٥ مارس ٢٠١١ لحماية مستندات وأرشيف أمن الدولة من التلف، كانت فرصة ضائعة لتمكين المواطنين من معرفة حقيقة انتهاكات هذا الجهاز.

ويتناول التقرير في هذا الجزء أهمية الكشف عن الأرشيف الأمني في إطار السعي لتحقيق عدالة تاريخية وانتقالية بعد الثورة المصرية، ويبين التقرير بعض الملامح التاريخية لجهاز أمن الدولة منذ نشأته. فعلى مدار عقود تم الحفاظ على استمرار هذا الجهاز ولم يتغير سوى اسمه، حيث ظلت عقليته وانتهاكاته مستمرة. ويرجع ذلك إلى عدم التعامل مع ماضي أمن الدولة وتاريخه القمعي. لذا تتجلى أهمية الكشف عن حقيقة انتهاكات الجهاز من خلال إتاحة الأرشيف اﻷمني، حتى يمكن حفظ ذاكرة الضحايا والمجتمع عن هذا الجهاز، وحتى يمكن محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، مما يوفر ضمانًا لعدم التكرار.

  • أمن الدولة.. جهاز سيئ السمعة

علاوة على الإشراف الخاص على الحقول، والمصانع…. رغبت الحكومة في اقامة نظام عام للبوليس يكون “ذكيا وفعالا، وموجود في كل مكان”31 … تطلب ذلك نظاما، كما اعترف كرومر، “معادلا لفرض الأحكام العرفية”32

تيموثي ميتشل، استعمار مصر

ترجع نشأة جهاز الشرطة في مصر إلى نشأة الدولة المصرية الحديثة علي يد مؤسسها محمد علي. ففي عام ١٨٠٥ أسس محمد علي إدارة صغيرة لحفظ القانون والنظام العام في القاهرة، ثم توسع نطاقها في عام ١٨٥٧ بحيث سميت “وزارة الداخلية”، والتي مازالت إلى الآن الوزارة المنوط بها “تنفيذ القانون لحفظ النظام العام وتأمين المواطنين”.33

ولوزارة الداخلية بأذرعها وقطاعاتها – وأهمها جهاز مباحث أمن الدولة – تاريخ حافل بالانتهاكات وقمع المواطنين.34 فجهاز أمن الدولة (سابقا) والمسمى بجهاز الأمن الوطني من بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، يعد جهاز تاريخي نشأ وتطور مع تطور الدولة المصرية الحديثة. إلا أنه تم ترسيخ أوتاده كنظام أمني في مرحلة التدخل الإنجليزي في مصر، والتي تلتها مرحلة الانتداب البريطاني سنة ١٩١٤. وفي ظل الاحتلال البريطاني تغيرت أشكال ومسميات هذا الجهاز – والذي كان يعمل لصالح الإنجليز لقمع الحركات الوطنية والعمالية المناهضة للاستعمار -.

صورة فوتوغرافيه لسير ألدون جروست من أرشيف
روبرتس، بجامعة تورونتو،
The world works, American Library Association
https://archive.org/details/worldswork14gard

في عام ١٩١٠، وقعت عملية اغتيال لرئيس الوزراء المصري بطرس باشا غالي أمام مبنى وزارة العدل. نفذ العملية إبراهيم نصيف الورداني وأودت بحياة بطرس باشا غالي في صباح اليوم التالي. وبعد محاكمة الورداني تمت معاقبته بالإعدام، إلا أن السلطات لم تتمكن من القبض على أو محاكمة بقية أفراد التنظيم المخطط للاغتيال. 35 ونتاجا لهذا الحادث أُنشأ ما سمي “بمكتب الخدمة السرية” والذي كان تحت إدارة سير الدون جروست (n GrostEldoSir ). 36 يقول المؤرخ هارولد توليفسون، أن بعد هذا الحادث (اغتيال بطرس باشا غالي) اشتدت وطأه الأجهزة الأمنية من خلال “مكتب الخدمة السرية” وتم تعزيز دورها في قمع والسيطرة على الحركات الوطنية والتحررية سواء في عهد جروست أو كيتشنر – الذي تبعه في الولاية -.

1 صورة كاريكايرية لسير الدون جروست يعرض متحكما بأعضاء الحكومة المصرية
من جريدة
Caire Punch
١٩٠٨١٩١١
https://www.loc.gov/item/92513566/

ثم في ١٩١٣، وكتطور لما عرف بمكتب الخدمة السرية، أنشأ ما سمي “بالقسم الخصوصي”. وتولى رئاسته سليم زكي الحكمدار,37 ورغم أنه مصري الجنسية، إلا أنه عرف بقربه من الإنجليز. 38

ويذكر اللواء حمدي سرحان: “أن أشهر من تولى هذا المنصب، اللواء سليم زكي، الذي استعان به الاحتلال الإنجليزي في … جهاز الأمن السياسي حينذاك، لتتبع الوطنيين والقضاء علي مقاومتهم للاحتلال، وسمي وقتها قسم الخصوصي، ويعد أقدم جهاز من نوعه في الشرق الأوسط”. 39 وقد كان لسليم زكي الحكمدار دور فعال في محاولات السيطرة على زعماء ثورة ١٩١٩ ومن أمثلة ذلك، المخطط الذي رسمه الحكمدار لعبد الحرمان بك فهمي و٢٨ آخرين، حيث تعرضوا في ١٤ يوليو ١٩٢٠ لمحاكمة عسكرية، بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم من خلال تكوين جماعة سرية، وكان الحكمدار هو من أوقع بهم.

وفي تلك الفترة تم إنشاء جهاز أمني أخر، وهو “القلم المخصوص” وكان هذا الجهاز إنجليزي بحت، وتقاريره كانت ترسل إلى دار المعتمد البريطاني، المندوب السامي، ثم إلي الحكومة الإنجليزية في لندن، ولم يكن للسلطات المصرية حق النظر فيها.

أما فيما يتعلق بنظام يوليو، أي حكومات الضباط الأحرار التي تلت ثورة ٢٣ يوليو 1952، فقد اتسمت هذه الحقبة باستتباب العقيدة الأمنية. يقول عمرو شلقاني، نقلا عن الدكتور شريف يونس في هذا الشأن: “مشكلة نظام يوليو أنه أتى بمجموعة معزولة من الضباط إلي السلطة، بلا ظهير سياسي، وبالتالي كان عليها أن تحكم من خلال مد جسور مع قوى ومنظمات مختلفة… ووضعهم تحت سيطرة أجهزتهم الأمنية“.40 أي أن نظام يوليو اعتمد علي الأجهزة الأمنية لفرض سيطرته علي الحكم، وعلي القوى المختلفة التي توجد في البلاد بعد سقوط الملكية.

يمكن القول أن جهاز أمن الدولة مر بأربع مراحل أساسية: مرحلة الإلغاء والهدم للجهاز بوصفه الاستعماري، ثم مرحلة إعادة إحيائه بمسمى “المباحث العامة” في ٢٢ أغسطس ١٩٥٢، ثم حله مرة أخرى في عهد السادات والذي أطلق عليه “الإصلاح” وإعادة إحيائه تحت إسم “مباحث أمن الدولة”، وأخيرا وبعد ثورة يناير تم حله كسابقيه وإعادة إحيائه بإسم “جهاز الأمن الوطني”.

SEQ Figure \* ARABIC 3ص ٣٠٤، ازدهار وانهيار النخبة القانونية المصرية، عمرو الشلقاني

ففي عهد أول رئيس للبلاد بعد ثورة ٢٣ يوليو (اللواء محمد نجيب) تولي جمال عبد الناصر منصب رئيس مجلس الوزراء ومنصب وزير الداخلية. وفي أغسطس ١٩٥٢ وقعت تظاهرات من عمال الغزل والنسيج بكفر الدوار، ضمت آلاف العمال.41 وكانت مطالبهم تتمحور حول نقل مكان عملهم إلي كوم حمادة ومطالب تتعلق بتحسين الأجور وأماكن العمال لتدهورها.42 قامت قوات الأمن بمحاصرة كفر الدوار وإطلاق النيران علي العمال، وسقط عامل قتيلا، ما دعي منظمو الحركة إلى التحرك إلي مدخل المدينة بعد أن ذاع خبر حضور الرئيس محمد نجيب – إلا أنه لم يحضر -.43 بل تمت مواجهة المظاهرة وقُبض علي المئات و تمت محاكمتهم محاكمة عسكرية في فناء

المصنع، تحت تهم القيام بأعمال تخريب وشغب.44

حكم علي منظمي المظاهرة، محمد مصطفي خميس (البالغ من العمر ١٩ عاما)، ومحمد حسني البقري (البالغ من العمر ١٧ عاما) بالإعدام وعلي أخرين بالسجن والغرامه.45 وبعد تلك الحادثة، بعدة أيام تم إعادة إحياء الجهاز الأمني المذكور تحت مسمى “المباحث العامة”.46

تحت مسمى المباحث العامة واصل الجهاز عمله في عهد جمال عبد الناصر، بل واشتد عوده حينها وعرف بقبضته الدامية علي البلاد وتكاثرت اصطلاحات الواصفة لمن يتعرض له الجهاز كأنه ذهب في “سكة اليروح ميرجعش”، “.. أخذوه وراد الشمس”.. إلخ. وعرف أن أمن الدولة في ذلك الحين كان مراده البطش بالشيوعيين وجماعة الإخوان المسلمين.47 ثم في عهد السادات، والذي قام بحل الجهاز ، سرعان ما أعاد السادات إنتاجه “تحت مسمى مباحث أمن الدولة” في قرار رئاسي رقم ١١١ لسنة 1974. استمر الجهاز في عمله في عهد مبارك وكان له سلطة في كل مجال وعلى كل المؤسسات والسلطات، ربما بإستثناء الجهاز العسكري المصري، فأمن الدولة هو المتحكم في الجامعات، وفي التعيينات، وفي المجتمع المدني، وفي ضمان نتائج الإنتخابات الرئاسية والتشريعية، وفي الموافقات الإدارية، وفي إخفاء أي من يريد أن يخفيه “وراء الشمس”. ومنهجية هذا الجهاز في عهد مبارك كانت مبنية على انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان بالإضافة إلى شتى أنواع الفساد المالي، والإداري، والسياسي.

  • دور الأرشيف الأمني في حماية الذاكرة وتحقيق العدالة

فيما يتعلق بوحشية الأجهزة الأمنية هناك رأي يذهب إلى صعوبة الفصل بين الدولة القومية الحديثة وبين التجربة الاستعمارية،48 فإن الدولة القومية الحديثة ورثت الأجهزة والقوانين وحتى البنيه التحتية التي أصلها الاستعمار، وفي حقيقة الأمر إن أي انتقال حدث في مصر يمكن أن نقول أنه انتقال جزئي ما دام الجهاز الأمني لم يتم التعامل مع ماضيه بشكل يحقق قطيعة مع الماضي المتخم بجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان. وهذا لن يتحقق إلا إذا تحققت المكاشفة وأتيحت الوثائق والمستندات التي تسمح بالوصول للمعلومات وكتابه تاريخ يتسم بالعدالة التاريخية وتعددية الرواية. فالوثائق التاريخية المصرية يسهل التحصيل عليها من خلال الأرشيف القومي الإنجليزي من صفحتهم علي الإنترنت، ويكاد يكون مستحيل التحصل عليها من دار الوثائق القومية المصرية بسبب التعسف الأمني وعقليته المتخللة في كافه أجهزة الدولة.

ولكن هل يوجد حقيقة آليات متبعة للكشف عن حقيقة الانتهاكات من خلال إتاحة الأرشيف الأمني أو أرشيف جهاز أمن الدولة بمسمياته؟ وكيف رقى الكشف عن الوثائق والأرشيف إلى أن يكون حق من حقوق الإنسان؟ وما علاقة هذا الحق بالعدالة الانتقالية والتاريخية؟

للكشف عن الأرشيف الأمني دور في حماية ذاكرة المجتمعات،49 وضمان الانتقال لنظام أكثر عدالة يضمن عدم تكرار انتهاكات الماضي. العدالة الانتقالية،50تفقد معناها إذا لم تضمن نوع من العدالة التاريخية. فالعدالة التاريخية،51تهدف إلى الحفاظ على ذاكرة المجتمعات، كما أنها تسمح بتعدد الروايات النابعة من أسفل. لذا، فإن احتكار السلطة للرواية التاريخية تحول دون تتحقق قدر من العدالة والإنصاف في مجتمعات ما بعد الصراع.52

فعندما تدمر سلطة ما أرشيفها الأمني، أو تقوم بحجبه – حجب تام – عن المجتمع فإنها ترسخ مبادئ سلطوية تحتكر من خلالها المعلومة، ومن ثم تتحكم في الحقيقة، والرواية، والتاريخ. كما أنها تحجب عن المجتمع والأفراد سبل التقاضي المستحقة ومساعيهم للتعويضات المادية أو المعنوية. كما أنه، إذا كان التاريخ انعكاس لتصورات المجتمع عن نفسه في الواقع. إذا يجب أن يعكس التاريخ الصراعات التي خاضتها مجموعات وأفراد تلك المجتمعات. فالتاريخ يفقد معناه إذا لم يرتبط بالحاضر.53 لذا، يعد التاريخ من أهم مساحات الاعتراك في الحراك المجتمعي، ومن هذا الوعي تقوم معظم الدول والسلطات بمحاولة السيطرة على رواية التاريخ، لأن التاريخ، كما قال بروس مونتجومري “ما يلبث ويصبح آلية المحاكمة والإدانة الوحيدة والمثلى المتصدية لمنتهكي حقوق الإنسان”،54 خاصة عند فشل القانون في تحقيق العدالة.

فمفهوم العدالة التاريخية يعلي انعكاس روايات الأفراد والجماعات في التاريخ، كذلك فإن العدالة الانتقالية تعليها من خلال أولى مبادئها وهي الحق في معرفة الحقيقة، وبرز الحق في معرفة الحقيقة بوصفه مفهومًا قانونيًّا على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، وهو يرتبط بالتزام الدولة بتوفير معلومات للضحايا، أو أسرهم، أو حتى المجتمع كله، حول الظروف التي أحاطت بالانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.55 ومن جملة الوثائق المستخدمة للكشف عن الحقيقة هي الأرشيف الأمني – وفي حالتنا تلك نقصد به أرشيف جهاز أمن الدولة بمسمياته عبر التاريخ -. لهذا الأرشيف وأوراقه خصوصية في مراحل الانتقال من الأنظمة الديكتاتورية والسلطوية، لأنه عادة ما يحتوي على معلومات لأشكال شتى من انتهاكات حقوق الإنسان التي ينبغي التعامل معها في فترات ما بعد الصراع. كذلك، عادة ما يحتوي الأرشيف علي معلومات عن أشخاص أو أحداث تم جمعها بدوافع أمنية. إلا أن الحكومات المصرية التي تلت ثورة يناير ٢٠١١ لم ترسي سياسات من شأنها الكشف عن أرشيف جهاز أمن الدولة، فهو أرشيف لم يتم إتاحته حتي الآن. وهذا الحجب الذي تقوم به الحكومات التي تلت ثورة ٢٠١١ ليست مقصورا فقط على أرشيف جهاز أمن الدولة في فترة حكم مبارك أو سابقيه كالسادات، وعبد الناصر، ونجيب، بل يمتد إلى ما قبل ذلك، أي منذ الاحتلال والانتداب البريطاني على مصر.

وعلى مستوى آليات عمل الحق في الحقيقة يتم الاستعانة بالأرشيف الأمني، وهذا ما تظهره التجارب الدولية، من حيث الاستعانة به في رسم سياسات محلية لعدالة انتقالية.56 ومع تراكم التجارب الدولية لتحقيق “العدالة الانتقالية”،57 في مجتمعات ما بعد الصراع، تم الاتفاق علي معايير عامه فضلى تتبع حتى تنجح العملية (العدالة الانتقالية). ومن ضمن تلك الأركان ركن “الحق في الحقيقة” كما سبق أن أوردنا.

عرف “الحق في الحقيقة” على أنه: “حق الضحايا الذين وقعت عليهم انتهاكات جسيمة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وذويهم، والمجتمع في معرفة حقيقة تلك الانتهاكات التي وقعت، ومعرفة المسئولين عن ارتكابها والسباب والظروف التي أدت إليها”.58 ومن خلال الكشف عن الحقيقة، تتحقق أهداف عدة يتمثل بعضها في: المصارحة بجرائم الماضي، والمصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا والناجين وذويهم، بالإضافة إلى ضمان عدم تكرار تلك الانتهاكات…إلخ. وبالرغم من أن المعايير المتبعة في حفظ الأرشيف واستخدامه للسعي لإرساء الحق في الحقيقة لتحقيق عدالة انتقالية تختلف باختلاف السياق السياسي والاجتماعي لكل بلد، من خلال ما تم التوافق عليه في ظل الحراك المحلي الناتج من المجتمع ذاته – كالذي يتمخض عن ثورة مثلا – إلا أنه، يوجد قدر من المعايير التي تم التأسيس لها من خلال زخم تجارب دولية أخرى مرت كذلك بصراعات وأملت إلى تحقيق عدالة انتقالية. لذا، فإن الرجوع لتلك المعايير العامة لرسم خارطة محلية تناسب السياق المحلي أمر يساعد علي تلافي أخطاء التجارب الأخرى و الخروج بتجربة ناجحة.

ويمكن القول أن معايير التعامل مع الأرشيف الأمني لتحقيق قدر من العدالة الانتقالية تتمحور حول أربع موضوعات:

أولا: آليات إتاحة تلك الوثائق والكشف عن حقيقة الجرائم التي وردت فيها.

ثانيا، تقنيات عملية تجهيل بعض المعلومات المتضمنة في الأرشيف أثناء عملية الإتاحة والكشف، مثل المعلومات المتعلقة بخصوصيات ضحايا الانتهاكات أو المتعلقة بالأمن القومي.

ثالثا: ما ينتج عن عملية الكشف والإتاحة من إجراءات: كتعويض الضحايا والناجين، وسياسات العزل السياسي أو العفو والمصالحة، ومشروعات تخليد الذكرى (كمتاحف، والأنصبة التذكارية، ومشروعات البحث العلمي، والمناهج المدارسية… إلخ).

رابعا: صور الأجهزة والإدارات المنوط بها إدارة تلك العملية بشكل يضمن الحقوق والحريات من خلال أجهزة مسؤولة عن تنفيذها (كلجان تقصي الحقائق، هيئات الحقيقة والمصالحة، وإدارات حفظ وإتاحة الأرشيف…إلخ.).

تبدأ كل تلك المراحل أولا باستجلاب تلك الوثائق، وضمان حفظها، ومساءلة من تعرضوا لها بالتخريب أو الإخفاء. 59

ومن المعايير الشائكة التي يتعين التعامل معها هي كيفية الحفاظ على المعلومات التي تمس “الأمن القومي” أو “خصوصية الضحايا” أثناء عملية إتاحة الأرشيف الأمني. إذ دائما ما يحتوي أي أرشيف أمني على وثائق ومعلومات تمس هذان الجانبان. وهنا الاسترشاد بالتجارب الدولية يكون بالغ الأهمية. إذ نتج عن تلك التجارب وضع استثناءات للحق في الحقيقة. وبالرغم من أن – وفق للتجارب الدولية – الكشف عن المعلومات والوثائق يخضع لاستثناءات، إلا أن تلك الاستثناءات يجب أن يوضع لها ضوابط تضمن عدم التذرع بها لحجب جل المعلومات والوثائق. وأهمية مراعاة “الخصوصية” تكمن في أنه حق من حقوق الإنسان التي ينبغي الحفاظ عليها ومراعاتها. أما مراعاة المعلومات التي تمس “الأمن القومي”، تتمثل أهميتها في أن إتاحة تلك المعلومات يمكن أن تقع بضرر أكبر علي الشأن العام. إلا أن الأمن القومي” كاستثناء يجب عدم التوسع فيه، لذا وجب خلق منظومة قانونية ومؤسسية تحدد نطاقه كاستثناء، حتى لا يتم استغلاله والتوسع فيه.

ومن جملة المبادئ التي عملت على تنظيم التوازن بين استثناء الأمن القومي والحق في المعلومة هي “مبادئ تشواني” فنصت على المعلومات التي يمكن حجبها على أساس الأمن القومي والمعلومات التي يجب الإفصاح عنها. وكان أول المعلومات التي تم النص على أنها تعد من فئات المعلومات ذات مصلحة عليا الإفصاح عنها هي المعلومات المتعلقة بانتهاكات القانون الدولي والقانون الإنساني.60 وأوضح د. خالد فهمي أن حماية الأمن القومي تكمن في إتاحة المعلومات والوثائق للشعب المصري حتي يكون لهم سبيل للاطلاع علي تاريخهم، وحذر في أحد محاضراته من العقلية الأمنية التي ترى في الحجب للمعلومات والوثائق حماية للأمن القومي، فلن ينتج عن الحجب إلا قطع طريق علي المواطنين إلى السرديات التاريخية المصرية التي في الوثائق والأرشيف المحلي؛ فقال في محاضرة له: “…أنا اختلف مع هذه السياسة (سياسة حجب الوثائق)، ومرة أخرى اختلافي مع هذه السياسة ليس نابعا من غيرتي على البحث العلمي والحرية الأكاديمية فقط، بل أيضا من غيرتي على الأمن القومي. فهل يوجد تهديد للأمن القومي أكثر من ان يستقي شبابنا معلوماته عن تاريخنا الحديث من كتب معتمدة على وثائق الأخرين، بما فيها وثائق العدو؟”.61

فما الذي نتج عن الكشف الأرشيف الأمني في تجارب دولية أخرى؟ في الأرجنتين، تم إستخدام أرشيف المخابرات البوليسية “لبوينوس أريس” و”بوليس مقاطعة ستافي العام كدليل في قضايا عدة، كما ساهم في مد معلومات عن ١٩ قضية إختفاء قسري على الأقل. وفي البرازيل نُظم انتقال الأرشيف البوليسي أثناء الحكم الديكتاتوري الذي استمر منذ عام ١٩٦٤ وحتى ١٩٨٥ إلي دار الأرشيف الوطني، بقرار جمهوري ٥٥٨٤ لسنة ٢٠٠٥، كما أُطلق موقع إلكتروني في ٢٠٠٩ يتيح الأرشيف للعامة، ما أسهم في حوكمة معلومات الأرشيف، وهي الآن غير سرية.

أما في بلغاريا أُنشئت لجنة في عام ٢٠٠٦ تتيح للباحثين والمحققين والمواطنين وأقارب من تتعلق بهم المعلومات أن يطلعوا علي أرشيف جهاز المخابرات والأمن الوطني COMDOS منذ عام ١٩٤٤ وحتي عام 1991. وفي باراجواي أتيح الأرشيف التقني البوليسي أثناء حكم ستروسنر الديكتاتوري (١٩٥٤ -١٩٨٩) وساهم الأرشيف في تحديد الالاف من المفقودين والمسجونين، وحالات التعذيب، أو قتلوا بجنوب أمريكا اللاتينية. ويمكن مراجعة تجارب دول عديدة في هذا الشأن كألمانيا، ورومانيا، وروسيا، وسلوفاكيا وأسبانيا وغيرهم الكثير.62

في السياق المصري وبالرغم من أحداث التظاهرات التي وقعت حول مقار أمن الدولة لمحاولة حماية الوثائق، وما نتج عنها من محاكمة المسؤولين عن فرم المستندات، تم حجب الأرشيف الأمني ولم يسمح لأحد الاطلاع عليه، وهذا – بالإضافة لعوامل عدة – جعل من “العدالة الانتقالية” في مصر أمر قيد التحقق أو الفشل. فعندما قام القضاء المصري – بعد المظاهرات التي شهدتها البلاد حول مقار أمن الدولة – بمحاولة مسائلة المسؤولين حول مآل الأرشيف وواجب المسؤولين في حمايته، وبعد أن حكمت المحكمة ببراءة المسؤولين من إتلاف المستندات إذ نصوا في شهاداتهم بأنهم حفظوا نسخة منها، لم تقم أي من الحكومات المتعاقبة بمحاولة إتاحة أرشيف أمن الدولة.

خاتمة

أما وقد عرض التقرير كل ما توصلت له مؤسسة حرية الفكر والتعبير من معلومات موثقة، بل حاول التقرير في محوره الأخير النظر كذلك إلى سياقات مهمة لفهم وقائع فرم مستندات أمن الدولة، بقى أن نؤكد على أهمية وضرورة نشر وتداول الروايات البديلة للأحداث الكبرى لثورة 25 يناير. تستحق أصوات المواطنين أن تسمع وباهتمام، بعد سنوات فُرضت فيها بكل السبل الممكنة رواية ترى في نضال المواطنين من أجل حقوقهم وحرياتهم مؤامرة على الدولة وأجهزتها القمعية. بهذا، نكون قد حقننا هدفنا من هذا التقرير، ولا يكتمل ذلك إلا بإفساح المجال اليوم وغدا لسماع هذه الروايات، ولاستمرار المطالبة بحقوق المواطنين في الإطلاع على الأرشيف الأمني.

 

 

 

 

1 حسن أحمد حسين، العشرات يتظاهرون أمام المحكمة ويطالبون بإعدام «العادلي» وإسقاط جهاز أمن الدولة، المصري اليوم، 5 مارس 2011، آخر زيارة: 15 أكتوبر 2017

https://goo.gl/DAKNjy

2 اقتحام المقر الرئيسي لمباحث أمن الدولة، ووزير جديد للداخلية، بي بي سي عربي، 5 مارس 2011، آخر زيارة: 15 أكتوبر 2017

https://goo.gl/4afQbh

3 الجيش يتعهد بنقل السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة وباحترام المعاهدات الدولية، بي بي سي عربي، 13 فبراير 2011، آخر زيارة: 15 أكتوبر 2017

https://goo.gl/v9YiUs

4 أحمد متولي، نيابة أمن الدولة تحقق في اتهام نشطاء باقتحام مقرات الجهاز المنحل، اليوم السابع، 4 يناير 2014، آخر زيارة: 15 أكتوبر 2017

https://goo.gl/9NAEPV

5 صهيب ياسين، عاجل| إحالة زكريا عبد العزيز إلى المعاش في قضية اقتحام “أمن الدولة”، الوطن، 3 يوليو 2016، آخر زيارة: 15 أكتوبر 2017

https://goo.gl/w7sXcs

6 أصيب ثلاث متظاهرون أثناء اقتحام مقر أمن الدولة بالإسكندرية من بينهم “أحمد” و”ياسر”

7 شهادة “أحمد” لمؤسسة حرية الفكر والتعبير

8 معاينة لمقطع فيديو، قام بتصويره “حسام”

9 تحذير من نشر وثائق “أمن الدولة”، الجزيرة نت، 6 مارس 2011، آخر زيارة: 15 أكتوبر 2017

https://goo.gl/vMG2kN

10 عمر حسانين، «الداخلية»: إلغاء جهاز مباحث أمن الدولة وإنشاء «قطاع الأمن الوطني» بدلا منه، المصري اليوم، 15 مارس 2011، آخر زيارة: 15 أكتوبر 2017

https://goo.gl/UY6TqK

11 إبراهيم قراعة، براءة حسن عبد الرحمن وجميع المتهمين في قضية «فرم مستندات أمن الدولة»، المصري اليوم، 12 يونيه 2013،آخر زيارة: 15 أكتوبر 2017

https://goo.gl/n4ihu5

12 – تحقيق النيابة العامة بتاريخ 7 مارس 2011 مع هشام عبد الفتاح أبو غيدة مساعد وزير الداخلية ورئيس جهاز أمن الدولة

13 – تحقيق النيابة العامة بتاريخ 8 مارس 2011 مع مدير اﻹدارة المركزية لتداول المعلومات بجهاز أمن الدولة.

14 – قاضي التحقيق بتاريخ 19 يونيه 2011 مع محمود وجدي وزير الداخلية.

15 – تحقيق النيابة العامة بتاريخ 9 مارس 2011 مع اللواء حسن عبد الرحمن مساعد أول وزير الداخلية لشئون اﻷمن وسابقا رئيس جهاز مباحث أمن الدولة.

16 – تحقيق بتاريخ 22 يناير 2012 مع اللواء عبد الحميد خيرت محمد مدير إدارة مباحث أمن الدولة 6 أكتوبر أمام قاضي التحقيق.

17 – تحقيق بتاريخ 22 يناير 2012 مع المقدم أسامة أبو ضيف أحمد رئيس قسم المعلومات بإدارة 6 أكتوبر أمام قاضي التحقيق.

18 – تحقيق بتاريخ 5 فبراير 2012 مع العميد عصمت محمد مهني عبد العال ضابط بإدارة أمن الدولة 6 أكتوبر أمام قاضي التحقيق.

19 – تحقيق بتاريخ 5 فبراير مع النقيب محمد محمود حسين ضابط بإدارة أمن الدولة 6 أكتوبر أمام قاضي التحقيق

20 – تحقيق بتاريخ 26 فبراير مع اللواء محمد عصام عبد الوهاب مدير إدارة مباحث أمن الدولة بالجيزة أمام قاضي التحقيق.

21 – تحقيق بتاريخ 27 فبراير 2012 مع أمين شرطة بإدارة أمن الدولة بالجيزة أمام قاضي التحقيق.

22 – تحقيق بتاريخ 22 يناير 2012 مع العميد حسين محمد عبد الرحيم ضابط بإدارة مباحث أمن الدولة 6 أكتوبر أمام قاضي التحقيق.

23 – تحقيق بتاريخ 5 يوليو 2011 مع اللواء غازي الدسوقي مفتش مباحث أمن الدولة سابقا أمام قاض التحقيق.

24 – تحقيق بتاريخ 5 يوليو 2011 مع قام العميد ناصر عبد العظيم إبراهيم فتوح ضابط بإدارة مباحث أمن الدولة بالدقهلية سابقًا أمام قاضي التحقيق.

25 – تحقيق بتاريخ 2 أكتوبر 2011 مع عميد اﻷمن الوطني فهمي محمد فهمي أمام قاضي التحقيق.

26 – تحقيق بتاريخ 2 أكتوبر 2011 مع المقدم طارق جمعة مهدي بقطاع اﻷمن الوطني فرع البحر اﻷحمر أمام قاضي التحقيق.

27 – تحقيق بتاريخ 3 أكتوبر 2011 مع عميد شرطة أحمد محمد إبراهيم أبو زيد الضابط مباحث أمن الدولة فرع أسوان. أمام قاضي التحقيق.

28 – تحقيق بتاريخ 4 أكتوبر 2011 مع مدحت كمال حسين مفتش مباحث جهاز أمن الدولة فرع بني سويف أمام قاضي التحقيق.

29 – تحقيق بتاريخ 8 ديسمبر 2011 مع اللواء هشام عبد الجواد وكيل فرع مباحث أمن الدولة بالشرقية أمام قاضي التحقيق.

30مؤسسة حرية الفكر والتعبير، ورقة مقارنة سياسيات، الأرشيف الأمني والحق في الحقيقة: مصر بين معايير وتجارب دولية،

31 تيموِثي ميتشل، إستعمار مصر، مدارات لأبحاث والنشر، ترجمة بشير السباعي – أحمد حسان، ص 176Cromer, Modern Egypt, 2:482

32 Ibid

33 Ibid

34 مثال: تقرير هيومان رايستوتش، مصر: وباء التعذيب قد يشكل جريمة ضد الإنسانية، ٦ سبتمبر ٢٠١٧

35 Harold Tollesfom, Policing Islam: The British occupation of Egypt and the Anglo Egyptian Struggle over the controle of the police 1990-1914), Contributions in Comparitive Colonial Studies, Praeger, November 1999, P. 151,

36 Ibid,

37 Malak Badrawi, Politica l violence in Egypt 1910-1925: secret societies, plots and Assassinations, 2000, P 207

38 Donald Malcolm Reid, Cairo University and the making of modern Egypt, Cambridge university press, 4/7/2002, P137

39 ايمن يوسف، من تقرير بعنوان “… من هو “الحكمدار؟”، جريدة مبتدا، ٣٠/١٠/٢٠١٥

40د. عمرو الشلقاني، إزدهار وإنهيار النخبة القانونية المصرية، ١٨٠٥ – ٢٠٠٥، الطبعة الأولى٢٠١٣، دار الشروق، ص ٣٠٥ و إنظر كذلك د. شريف يونس، القضاه والإنتخابات، خطاب نزاهة الانتخابات: الأبعاد والدلائل والجذور، ٢٠٠٦، ص٥٠٥ – ٥٠٦

41 منير شريف وأحمد عمر، غواية السلطة: الأمن واستشراف المستقبل، تقديم د. علي مبروك، دار العين للنشر، يناير ٢٠١٤،

42 تقرير نرمين عشرة، “إعدام العمال في عهد محمد نجيب”، جريدة الوفد، الثلاثاء ٣٠ إبريل ٢٠١٣

43 ibid

44 Ibid

45 منير شريف وأحمد عمر، غواية السلطة: الأمن واستشراف المستقبل، تقديم د. علي مبروك، دار العين للنشر، يناير ٢٠١٤

46 صلاح مصيلحي، شخصيات لها العجب: ذكريات، تراجم، دراسات، ووثائق (المجموعة الأولى)، دار نهضة مصر، ص٤٣٠-٤٥٠

47 عمرو الشلقاني، إزدهار وإنهيار النخبة القانونية المصرية ١٨٠٥ -٢٠٠٥، دار الشروق، ٢٠١٣، ص ٢٩٧ – ٣٢٨

48 فرانز فانون، معذبوا الأرض، ترجمة الدكتور سامي الدروبي والدكتور جمال الأتاسي، بيروت، الجزائر، دار الفرابي ومنشورات أنيب، ٢٠٠٤Franz Fanon, Black Skins white Masks, New York, Grove Press. 1967كما يمكن مراجعة كتابات: غياتري شكرافورتي سبيفاك حول مفهوم “الحتمية الاستراتيجية” (Strategic Essentialism) في الصراعات القومية ضد الاحتلال. In Other Worlds, Subaltern Studies: Deconstructing Histography, 1988, 197 -221

49 ذاكرة المجتمعات، أو الذاكرة الجمعية: هو مصطلح يشير إلي ذكرى أو ذاكرة مشتركة بين مجموعة أفراد، واشتراكهم فيا نبعا عن تجربة اجتماعية. أول من وضع هذا المصلح هو عالم الاجتماع موريس هالبواشس (Maurice Halbwachs)، وهو تلميذ لإميل دوركايم (Emile Durkheim) لمعلومات أكثر يمكنكم مراجعة كتاب: Maurice Halbwachs, La Memoire Collective, Les Pres universities de Paris, 1950

50 تشير العدالة الانتقالية إلي مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمن هذه التدابير الملاحقة القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوعة من إصلاح المؤسسات. (لمعلومات أكثر: يمكن مراجعة موقع وإصدارات: المركز الدولي للعدالة الإنتقالية)

51 العدالة التاريخية هي جزء من عملية العدالة الانتقالية وهي أن يتم تعزيز وحماية الخطابات التي توضح جرائم وأخطاء الماضي. لمعلومات أكثر يمكن مراجعة كتاب: Klaus Neuman and Janna Thompson, Historical Justice and Memory, Univeristy of Wisconson, July 2015, P. 3-9,

52 يشير مفهوم “مجتمعات ما بعد الصراع”: إلى المجتمعات التي تحيا في دول مرت بصراع ما – حرب، أو ثورة، أو خروج من نظام قمعي… إلخ.

53 “التاريخ والحقيقة” ورقة تناقش مفاهيم الضمير والذاكرة والعدالة الإنتقالية، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، ١٢ مايو ٢٠١٥

54 Montgomery، Fact Finding by human Rights Non- Governmental Organizations: 6 Challenges، Strategies، And the Shaping of Archival Evidence، 2004، p. 23

55 ياسمين النقبي، تقرير الحق في معرفة الحقيقة في القانون الدولي: واقع أم خيال؟، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ٧ مارس ٢٠١٦

56 لمعلومات أكثر، يمكن مطالعة الجدول المرفق أدناه -والذي قامت مؤسسة حرية الفكر والتعبير بترجمته من تقرير صادر عن مؤسسة المجتمع المفتوح بعنوا أرشيف وثائق الأجهزة الأمنية”، كما يمكن مطالعة تقرير مؤسسة حرية الفكر والتعبير، المعنون: “الأرشيف الأمني والحق في الحقيقة”.

57 العدالة الانتقالية “تشير إلى مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات.” المركز الدولي للعدالة الإنتقالية

58 المركز الدولي للعدالة الإنتقالية، البحث عن الحقيقة – عناصر إنشاء لجان حقيقة فاعلة ص 6

59 يمكن مطالحة تفاصيل تلك المراحل في وما تم منها في السياق المصري في: “ورقة مقارنة سياسيات، الأرشيف الأمني والحق في الحقيقة: مصر بين معايير وتجارب دولية”، “ورقة تحليل سياسات، الحق في معرفة الحقيقة وإنتهاكات حقوق الإنسان: لجان تقصي حقائق بلا حقيقق”، نوفمبر ٢٠١٣، http://legalblogegypt.org/wp-content/uploads/2013/11/afte001-19-11-2013.pdf

60 المبادئ العالمية للأمن القومي والحق في المعلومة (مبادئ تشوان)، ١٢ يونيو ٢٠١٣: “”هناك مصلحة عامة طاغية في الكشف عن المعلومات المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك الجرائم بموجب القانون الدولي والانتهاكات المنهجية أو الواسعة النطاق للحق في الحرية الشخصية والأمن. فلا يجوز حجب مثل هذه المعلومات لأسباب تتعلق بالأمن الوطني في أي ظرف من الظروف”

61 د. خالد فهمي، الوثائق ملك للشعب، محاضرة ألقيت في دار الوثائق القومية، 23 يونيو 2013

62 الأرشيف الزمني والحق في الحقيقة، مصر بين معايير وتجارب دولية، ٢٤ مارس ٢٠١٥

محتوى المدونة منشور برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 4.0