مقدمة
أثار القرار الإداري لجامعة القاهرة بشأن تحصيل تبرعات من أعضاء هيئة التدريس جدلًا كبيرًا، منذ صدوره في 29 يوليو الماضي، ورغم الانتقادات الكثيرة التي وجهت للقرار من قبل أعضاء المجتمع الأكاديمي والمتابعين للشأن الجامعي، إلا أن جامعة القاهرة لم تتراجع عن القرار وأصرت على قانونية إصداره.
ويقضي القرار بتحصيل مبلغ عشرة آلاف جنيهًا كتبرع من كل عضو هيئة تدريس أو أستاذ متفرغ أو عضو هيئة معاونة يرغب في السفر للخارج تحت أي مسمى سواء الندب أو الإجازة أو الإعارة من السنة الأولى حتى السنة العاشرة، وتحصيل مبلغ عشرين ألف جنيهًا لنفس السبب من السنة الحادية عشر فأكثر. 1
وتسعى مؤسسة حرية الفكر والتعبير من خلال هذا التعليق إلى بيان عدم قانونية قرار تحصيل التبرعات من أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة من جانب، وتقديم معلومات قانونية تمكن أعضاء المجتمع الأكاديمي من مواجهة القرار والطعن عليه من جانب آخر. خاصة وأن مثل هذه القرارات الإدارية التي لا تستند إلى صحيح القانون تعتمد إدارات الجامعات في تمريرها على قبول أعضاء المجتمع الأكاديمي لسياسة الأمر الواقع، وتخوف بعضهم من تعطل إجراءات السفر إلى الخارج.
القرار وقانون تنظيم الجامعات
ينص القرار على أن الأموال تقدم في شكل تبرع للجامعة، وقد تصدى قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 في المادة (7) لمسألة التبرعات، حيث نصت المادة على “الجامعات هيئات عامة ذات طابع علمي وثقافي، ولكل منها شخصية اعتبارية، ولها أن تقبل ما يوجه إليها من تبرعات لا تتعارض مع الغرض الأصلي الذي أنشئت له الجامعة”.
ولكن كيف يمكن أن يوصف “دفع الأموال للجامعة بنص قرار إداري” على أنه “تبرعات” ؟
فالحالة الوحيدة التي تسمح أن يكون التبرع مشروطًا، هي أن يكون المشترط هو الواهب (دافع التبرع)، وليس الموهوب له، كما توضح المادة 486 بالقانون المدني “ويجوز للواهب، دون أن يتجرد عن نية التبرع، أن يفرض على الموهوب له القيام بالتزام معين”. وهو ما يمثل نقيض حالة القرار الإداري لجامعة القاهرة الجهة الموهوب لها، والتي تشترط على أعضاء هيئة التدريس دفع هذه الأموال.
ومن ناحية أخرى، الهبة عقد يتصرف بمقتضاه الواهب في مالٍ له دون عوض . فلا يجوز تسمية دفع الأموال في مقابل تسهيل إجراءات السفر “بالتبرعات”. ومما سبق، يتضح أن اشتراط دفع هذه المبالغ مقابل السفر، يجعلها في عداد الرسوم وليست تبرعًا.
القرار والدستور المصري
تنص المادة (38) من الدستور المصري على “لا يكون إنشاء الضرائب العامة، أو تعديلها، أو إلغاؤها، إلا بقانون، ولا يجوز الإعفاء منها إلا في الأحوال المبينة في القانون”، فلا يجوز تكليف المواطنين بدفع مبالغ للجامعات، خارج إطار القوانين. وبما أن القوانين المنظمة للنقل والندب والإعارات والسفر الخاص بأعضاء هيئة التدريس والهيئات المعاونة، لم تنص على دفع مثل هذه الرسوم. لذلك فإن القرار الإداري لجامعة القاهرة يخالف صريح نص الدستور وهو أسمى القواعد القانونية الواجب عدم مخالفتها.
كما أن القرار الإداري لجامعة القاهرة يخالف نص المادة (40) من الدستور والتي تنص على أنه “لا تجوز المصادرة الخاصة، إلا بحكم قضائي”. وفي هذه الحالة لم يصدر حكمٌ قضائيٌ بوجوب دفع مثل هذه المبالغ، بل أن جامعة القاهرة هي الجامعة الوحيدة التي أصدرت مثل هذا القرار .
القرار بمثابة جريمة “غدر”
تعد جريمة الغدر من جرائم الموظف العام، وقد نص المشرع الجنائي على هذه الجريمة في المادة (114) من قانون العقوبات التي تقرر أن “كل موظف عام له شأن في تحصيل الضرائب والرسوم أو العوائد أو الغرامات أو نحوها ، طلب أو أخذ ما ليس مستحقًا أو يزيد على المستحق مع علمه بذلك يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن”. وقد جرى الفقه الجنائي المصري على تسمية هذه الجريمة بالغدر، وهي تسمية مأخوذة من قانون العقوبات الفرنسي وهي مرادفة للمصطلح الفرنسي ( la concussion ) ويطلق عليها البعض اسم “التعسف في الجباية” أو “فرض المغارم”.
وأساس التجريم هنا أنه لا يجوز فرض أعباء أو رسوم على المواطنين أو زيادتها بدون وجه حق لأن ذلك يتطلب قانون لفرضها أو زيادتها، ومن ناحية أخرى فإن هذه الجريمة تخل بالثقة في عمال الدولة، فإذا فرض الموظف ضرائب أو رسوم غير مستحقة فالأمر هذا يكون خداع وغدر بالمواطنين.
* وإذا ما تطرقنا تفصيليًا لأركان جريمة الغدر، فهناك ثلاثة أركان للجريمة، أولها “صفة الجاني”، وثانيها “الركن المادي”، وثالثها “القصد الجنائي”. وهي على الترتيب كما يلي:
الصفة الخاصة في الجاني: يجب أن يكون الجاني موظفًا عامًا وفقًا لمدلول الموظف العام في جرائم الاختلاس، وأن تكون له علاقة بتحصيل الضرائب والرسوم، ولا يشترط أن يتولى كل أعمال التحصيل، بل يكفي أن يكون له شأن في ذلك ولو ضئيل كأن يكون مساعد محصلٍ أو مشرفًا على التحصيل قام بعملية التحصيل.
وفي هذه الحالة نجد توافر صفة الموظف العام في مصدر القرار، فهو رئيس جامعة حكومية وله صفة تحديد الرسوم والمصروفات الخاصة بالجامعة.
الركن المادي: يتمثل هذا الركن في “الطلب” أو “الأخذ” بمفهومه في جريمة الرشوة. ويكون “الطلب” بعبارات تدل على رغبة الموظف في تحصيل مبلغ غير مستحق أو يكون ضمنيًا لو حرر إيصالًا بمبلغ غير مستحق ويقدمه للمواطن. أما “الأخذ” يكون بالحصول الفعلي على المال غير المستحق وإدخاله في حيازته حتى ولو بدون طلب، كما لو ظن شخص أن عليه رسوم معينة على غير الحقيقة فبادر بسدادها للموظف. ويستوي أن يكون الموظف الذي حصل غير المستحق من الأموال قد احتفظ بها لنفسه أو وردها إلى خزانة الدولة.
– الركن المعنوي: جريمة الغدر جريمة عمدية لا يكفي لقيامها الخطأ غير العمدي. ويتطلب هذا الركن أن يعلم الجاني بصفته وبأن ما يطلبه أو يأخذه مبلغ غير مستحق.
وينتفي القصد الجنائي إذا وقع الجاني في خطأ، كما لو أخطأ في تحديد مبلغ الضريبة أو ميعاد تحصيل أو حالات الإعفاء منها، وينتفي القصد الجنائي إذا كان الموظف يجهل صدور قانون ألغى الضريبة التي طالب بها الممول أو خفضها إلى قدر معين كذلك إذا أخذ الموظف مبلغًا يزيد عن المستحق دون أن يفطن إلى ذلك بأن أهمل في عد النقود.
خاتمة
عرضت مؤسسة حرية التعبير في تعليقها القانوني على قرار جامعة القاهرة بشأن تحصيل مبالغ مالية من أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة الراغبين في السفر للخارج، أوجه مخالفة القرار لنصوص الدستور والقوانين المصرية، وتوصيفه كجريمة غدر.
وتدعو مؤسسة حرية الفكر والتعبير كافة أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة بجامعة القاهرة ممن تم إخبارهم بدفع هذه المبالغ المالية وفقًا لقرار جامعة القاهرة إلى:
1) تحرير محضر إثبات حالة في قسم الشرطة التابع له الجامعة.
2) التواصل مع مؤسسة حرية الفكر والتعبير لتوثيق الواقعة والتعرف على الإجراءات القانونية اللازمة.
3) تقديم طعن على قرار جامعة القاهرة أمام القضاء الإداري.
مرفق قرار جامعة القاهرة بتحصيل التبرعات من أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة
في حالة طلب دفع “تبرعات” وفقًا لقرار جامعة القاهرة، اتبع الإجراءات التالية: