تعليق قانوني .. “حرية الملبس في الجامعات المصرية”

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter

للإطلاع بصيغة PDF إضغط هنا

إعداد: مهاب سعيد

محامي برنامج الحرية الأكاديمية والحقوق الطلابية

مقدمة:

شهدت الجامعات المصرية جدلًا متزايدًا مع بداية العام الدراسي الحالي حول الملابس التي يرتديها الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في الحرم الجامعي، ومما يُثير القلق ارتفاع الأصوات المنادية بفرض قيود على حرية الملبس، بالمخالفة للدستور والقانون، ومبادئ حقوق الإنسان. لذا تتناول هذه الورقة التأصيل الحقوقي لحرية الملبس، بناءًا على الدستور المصري وأحكام المحاكم المصرية، كما تحاول الورقة بيان تأثير بعض الملابس على تدريس بعض المواد، في ضوء المواثيق الدولية ذات الصلة.

تمهيد: قرارات إدارية بمنع بعض الملابس:

تشتملُ القرارات الإدارية التي أصدرتها بعض الجامعات الحكومية على ملابس: النقاب والشورت والفيزون (بنطلون ضيق) والشبشب. وجاءت هذه القرارات كالتالي:

مَنع التدريس بالنقاب في جامعة القاهرة:

أصدر القرار رئيس جامعة القاهرة في 29 سبتمبر 2015. ونص القرار على: ” لا يجُوز لعضوات هيئة التدريس والهيئة المعاونة بجميع كليات الجامعة ومعاهدها إلقاء المحاضرات والدروس النظرية والعملية أو حضور المعامل أو التدريب العملي وهن منتقبات، وذلك حرصًا على التواصل مع الطلاب وحُسن أداء العملية التعليمية وللمصلحة العامة”.

ولم تُصدر أي جامعة أخرى قرارات مماثلة، بل أكد بعض رؤساء الجامعات على احترام الحرية الشخصية لأعضاء هيئة التدريس، ومن بينهم رئيس جامعة الإسكندرية الذي أكد أنه لن يمنع النقاب أو اللحية، وقال في تصريح للمصري اليوم، في 3 أكتوبر 2015: ” لا أنا ولا مجلسي أصدرنا قرارًا بمنع المنتقبات أو المحجبات أو الملتحين من إلقاء المحاضرات على الإطلاق، وبالتالي لا يوجد داعٍ لتضخيم الأمور وإعطائها أكثر من حجمها الطبيعي، خاصة أنهم موجودون في الجامعات منذ سنوات، ولم يشتكِ أحد”.

منع دخول الطلاب بالفيزون والشورت والشبشب:

تمنع بعض الجامعات المصرية الحكومية دخول الطلاب ممن يرتدون الشورت أو الفيزون أو الشبشب، وفي بداية العام الدراسي الجاري، منع أمن جامعة القاهرة دخول طالبة ترتدي الفيزون، التزامًا بتعليمات أصدرتها إدارة الجامعة منذ العام المنصرم، ويشمل القرار كذلك الشورت والشبشب.

وأصدرت إدارتي جامعتي حلوان وبني سويف، قرارًا مماثلًا، بمنع ارتداء الفيزون والشورت والشبشب، على أن توقع عقوبات تأديبية على الطلاب المخالفين للقرار.

بينما فصَلت كلية التربية بجامعة أسيوط، طالبًا لمدة 15 يومًا لارتدائه شورت داخل الحرم الجامعي، وأرجعت الكلية قرار الفصل إلى الحفاظ على الحياء العام والقيم والتقاليد الجامعية.

أثارت هذه القرارات أسئلة كثيرة حول مدى مشروعيتها وقانونيتها، وحدود سلطة الإدارة الجامعية في تنظيم المرافق.

أولًا: حرية الملبس كحق شخصي في القانون والدستور:

كفل الدستور المصري الحرية الشخصية لجميع المواطنين ووضع قيودًا صارمة لعدم المساس بها، حيث تنص المادة (54) من الدستور على ” الحرية الشخصية حقٌ طبيعي، وهي مصونة لا تُمس …”، كذلك نصَّت المادة (99) على أن ” كل اعتداءٍ على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور جريمة لا تسقُط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم وللمضرور إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر وتكفل الدولة تعويضًا عادلًا لمن وقع عليه الاعتداء وللمجلس القومي لحقوق الإنسان إبلاغ النيابة العامة عن أي انتهاك لهذه الحقوق وله أن يتدخل في الدعوى المدنية منصفًا للمضرور بناء على طلبه وذلك كله على الوجه المبين بالقانون”.

وتثير حرية الملبس صعوبات كبيرة على المستوى القانوني، باعتبار الملبس مُلاصقًا للإنسان و لا يُمكنه ممارسة أي نشاط بدونه، لذلك رسخ مجلس الدولة المصري المبدأ القائل أن “الحرية الشخصية حق أصيل للإنسان وجماع ما في العالم من مزايا وصفات، ونشأت منذ الخلق الأول وتمشت مع تطور الحياة جنبًا إلى جنب، فإذا ما نصت عليها الشرائع فإنما لتأكيدها وتمكين أصولها ثم توجيهها وتنظيمها لخير الأفراد”.[1]

وانعكس ذلك على تطبيقات عملية لمجلس الدولة، كان أبرزها متعلق بإحدى صور الحرية البدنية؛ وهى حرية الإنسان في اتخاذ المظهر البدني الذي يريده ما لم يتعارض ذلك مع العُرف والتقاليد والآداب العامة.

ففي إحدى الدعاوى عام 1949، قال أحد المواطنين أنه عسكري ضمن قوة المرور بمدينة الإسكندرية، وأنه كان يمتلك “شاربًا” طويلًا، ولكن حكمدار بوليس مدينة الإسكندرية استدعاه في 7 سبتمبر 1949 إلى مكتبه وعنّفه، ثم أصدر أمرًا إلى بعض رجال البوليس بحلق شاربه، وطلب العسكري في دعوى قضائية بإلغاء القرار، وإلزام وزارة الداخلية بأن تدفع إليه قرشًا واحدًا على سبيل التعويض المؤقت مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

دفعت الحكومة -آنذاك- بعدم اختصاص المحكمة في نظر الدعوى ، لأن التصرف الذي يشكو منه المدَّعى لا يعتبر أمرًا إداريًا مما تختص محكمة القضاء الإداري بإلغائه والتعويض عنه، إذ أنه لا ينطوي على إنشاء أي مركز قانوني، و إنما هو تدبير تنظيمي مما يدخل في صميم اختصاص الجهة الرئاسية، وتهدف به إلى تحديد أسلوب الحياة الوظيفية بين مرؤوسيها، وطلبت في موضوع الحكم برفض الدعوى قائلة: أن النظام العسكري يستلزم أن يظهر الجندي بمظهر لائق، ووجود المدعى بشاربه الطويل في الخدمة في الشوارع والميادين كان مثارًا لحديث الصحف والمجلات والتفات الجماهير إليه، الأمر الذي يتنافى مع الاحترام الواجب لرجال البوليس، وأضاف الحاضر عن الحكومة في معرض دفاعه أن مفتش البوليس استدعى المدعى بناء على أمر الحكمدار ولفت نظره إلى طول شاربه، والمدعى هو الذي قام بالتنفيذ طائعًا.

ناقشت المحكمة أولًا؛ ما إذا كان الأمر المطعون فيه يُمثِل أمرًا إداريًا أم لا؟، حتى تنتهي إلى مدى اختصاصها بنظر الدعوى. وأكدت في هذا الصدد أنه لما كان الأمر المطعون فيه يَمسُ الحرية الشخصية التي كفلها الدستور ويمثل عدوانًا عليها فإنه يعتبر أمرًا إداريًا مستكملًا لجميع خصائصه ومميزاته، وبالتالي تكون المحكمة مختصة بنظر الدعوى.

واستطردت المحكمة قائلة: أنه لا نزاع في أن تصرُف الحكمدار ينطوي على اعتداء صارخ على حرية المُدَّعى الشخصية ليس له أدنى مسوغ أو مبرر، وانتهت المحكمة لرفض الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، أما فيما يخُص الموضوع، قررت المحكمة إلغاء الأمر الإداري المطعون فيه وألزمت وزارة الداخلية بدفع مبلغ قرش واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصروفات والأتعاب”.[2]

يؤكد الحكم السابق أن المظهر الخارجي للشخص يُعد من الحقوق الشخصية التي له مطلق الحرية فيها، وأن الإدارة لها سلطة تنظيم المرفق وذلك بما لا يتعارض مع الحقوق الشخصية للعاملين، والحقيقة أن إجراءات التنظيم الداخلي للمرفق هي بعض الإجراءات الداخلية التي تمس الحياة داخل المرفق، أو هي كل إجراء يتعلق بالمرفق العام ولا يتضمن أي اعتداء على المركز القانوني للموظف المكلف بإدارته.[3]

لكن هذه الإجراءات إذا تجاوزت تنظيم المرفق إلى المساس بإحدى الحريات الشخصية التي كفلها الدستور للعاملين به فإن إجراء الإدارة في هذا الصدد يخرج عن كونه إجراءً من إجراءات التنظيم الداخلي، ليصير في عداد القرارات التي تمس مركزًا قانونيًا كفله الدستور للمواطن الذي يدير المرفق.

ثانيًا: سلطة الإدارة في تنظيم المرفق وحدود هذه السلطة :

برَّر الدكتور /جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، قراره منع التدريس بالنقاب بأن القرار ليس له علاقة بالشريعة وإنما هو في صميم اختصاصات الإدارة في تنظيم العملية التعليمية.[4] و أعمال الضرورة كما تقول أحكام محكمة القضاء الإداري.

و لكن إذا كانت الإدارة تتمتع بسلطة استثنائية في إصدار قرارات إدارية تتعلق بتنظيم عمل المرفق عملًا بالسلطة التي رخّصها القضاء للإدارة، و إعمالاً لمبدأ “الضرورات تبيح المحظورات”، إلا أن هذه السلطة قد قُيدَت بعدة شروط أهمها:

*ألا تُمس الحرية الشخصية التي كفلها الدستور للفرد.[5]

*أن يكون هناك خطر جسيم مفاجئ يُهدِد النظام والأمن.

*أن يكون عمل الضرورة الذي صدر من الإدارة هو الوسيلة الوحيدة لدفع هذا الخطر.

*أن يكون هذا العمل لازمًا حتمًا فلا يزيد عما تقتضي الضرورة.

*أن يقوم بهذا العمل الموظف المختص فيما يقوم به من أعمال وظيفته.

حيث أخضع القضاء الإداري القرارات الإدارية الاستثنائية لرقابته ليرى ما إذا كانت أركان الضرورة متوافرة أم لا، حتى يقوم حق الضرورة وتنتفي المسئولية. فإذا لم تتوافر هذه الأركان فليست هناك ضرورة، ويكون العمل الصادر من الإدارة في هذه الحالة موجبًا للمسئولية إذا كان عملًا ماديًا، وباطلًا إذا كان قرارًا إداريًا. و أنه إذا كانت “الضرورات تبيح المحظورات” فإن ” الضرورات تقدر بقدرها”.

ثالثًا: المساواة أمام الوظائف العامة:

تعني المساواة أمام الوظائف العامة؛ أن يتساوى جميع المواطنين في تولي الوظائف العامة، وأن يُعامَلوا نفس المعاملة من حيث المؤهلات والشروط المتطلبة قانونًا لكل وظيفة، ومن حيث المزايا والحقوق والواجبات والمرتبات والمكافئات المحددة لها.[6]

– المساواة في الدستور المصري :

نصَّ الدستور المصري في المادة (14) على: “الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة حقوقهم وحمايتهم، وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي، إلا في الأحوال التي يحددها القانون”.

كذلك نصَّ في المادة (53) على أنه “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض”.

كما كفل الدستور التزام الدولة بحماية فرصة متساوية لجميع المواطنين في المادة 8 التي تنص على: “أن تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز”.

كذلك أحدث دستور (2014م) نقلة على مستوى الاعتراف بحقوق المرأة وتجريم التمييز ضدها في المادة 11 “تكفل الدولة تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقًا لأحكام الدستور وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلًا صادقًا في المجالس النيابية على النحو الذي يحدده القانون كما تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية دون تمييز ضدها”.

من كل ما سبق؛ فإن الدستور أكد -صراحة- على أن المواطنين متساوين جميعًا، وشدَّد على درء التمييز بين المواطنين في الحقوق والحريات والواجبات العامة، ولم يستثنِ من ذلك مَن يظهرون بملبس معين.

و بالتالي يُعد أي عمل من شأنه تقييد حرية المواطنين في الملبس تغولًا على حقوق المرؤوسين، و هو ما ينتهك -بوضوح- المساواة بين المواطنين أمام الوظائف العامة، فقرار حظر المنتقبات من مزاولة مهنة التدريس بالجامعة يُعد قرارًا إداريًا استثنائيًا يخضع لرقابة القضاء ويثير من جديد مسألة مساواة العاملات المنتقبات بباقي زملائهن وزميلاتهن.

وقد تصدت محكمة القضاء الإداري للمساواة أمام الوظائف العامة في دعوى أُقيمت عام 1960 من فتاة تم استثناؤها من وظيفة “محلل مياه”، و تم تسبيب القرار بأنها “آنسة” و أن الوظيفة تحتاج لمشقة في التنقل لا يقدر عليها سوى الرجال. إلا أن المحكمة أقرَّت حق المُدّعية في الوظيفة، وعدم مشروعية قرار الإدارة المنطوي على إساءة في استعمال السلطة، وحكمت باعتبار الخصومة منتهية “بناء على طلب المدعية تعيينها في وظيفة أخرى” وألزمت الحكومة المصروفات وأتعاب المحاماة.[7]

رابعًا: تأثير الملبس على تدريس بعض المواد:

ولبيان مدى تأثير الملبس على تدريس بعض المواد، تجدر الإشارة إلى توصية اليونسكو بشأن أوضاع هيئات التدريس في التعليم العالي – اعتمد المؤتمر العام لليونيسكو هذه التوصية في العام 1997 بعد سنوات من الأعمال التحضيرية المشتركة بين اليونيسكو ومنظمة العمل الدولية -.

إذ يخالف قرار جامعة القاهرة بمنع المنتقبات من التدريس، المواد (25) و (26) و (28) من توصية اليونيسكو، حيث تنص المادة (25) من التوصية على ” ينبغي أن يكون الالتحاق بمهنة التدريس في التعليم العالي قائمًا فقط على أساس المؤهلات والكفاءات والخبرات الأكاديمية وأن يتاح لجميع أفراد المجتمع على قدم المساواة ودون تمييز”.

وتنص المادة (26) على “ينبغي أن يتمتع أعضاء هيئات التدريس في التعليم العالي، شأنهم شأن سائر الجماعات والأفراد، بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية المعترف بها على الصعيد الدولي، والتي تسري على جميع المواطنين، وبالتالي ينبغي أن يتمتع جميع أعضاء هيئات التدريس في التعليم العالي بحرية الفكر والوجدان والدين والتعبير والاشتراك في الاجتماعات والجمعيات…”.
وتنص المادة (28) على ” ينبغي أن يُكفل لأعضاء هيئات التدريس في التعليم العالي الحق في القيام بالتدريس دون أي تدخل خارجي، شريطة التزامهم بالمبادئ المهنية المقبولة لدى الجميع، بما في ذلك المسؤولية المهنية والصرامة الفكرية فيما يتعلق بالمعايير والأساليب التعليمية…”.

فهذا القرار يمتد تأثيره من التضييق على الحرية الشخصية لعضوات هيئة التدريس إلى انتهاك الحرية الأكاديمية، من خلال تقييد حرية التدريس على أساس لا يرتبط بالكفاءة والمعايير الأكاديمية. ولكن من الضروري الانتباه إلى تأثير ارتداء النقاب على تدريس بعض المواد مثل اللغات والصوتيات، ولذلك ينبغي اتباع قواعد مهنية وأكاديمية عند مناقشة ذلك.

وبالاستناد إلى توصية اليونيسكو بشأن أعضاء هيئات التدريس، تنص المادة (33) على : “ينبغي أن يقر أعضاء هيئات التدريس في التعليم العالي بأن ممارسة الحقوق تستتبع الوفاء بواجبات ومسئوليات خاصة تشمل الالتزام باحترام الحرية الأكاديمية لسائر أعضاء الوسط الأكاديمي وضمان المناقشة العادلة للآراء المتعارضة. كما أن الحرية الأكاديمية تستتبع الالتزام باستخدام هذه الحرية على نحو يتفق مع ما يقتضيه السلوك العلمي من واجب إرساء البحوث العلمية على أساس البحث الأمين عن الحقيقة. وينبغي أن يجري الاضطلاع بأنشطة التعليم والبحوث والتعمق العلمي على نحو ما يتفق تمامًا مع المعايير الأخلاقية والمهنية، وأن تستجيب هذه الأنشطة، حسب الاقتضاء، للمشكلات التي تواجه المجتمع المعاصر، وأن تنطوي على صون التراث التاريخي والثقافي للعالم”.
وتتمثل واجبات مدرسي التعليم العالي الفردية اللازمة لحريتهم الأكاديمية فيما يلي بوجه خاص:

(أ) تدريس الطلاب على نحو فعال في حدود الإمكانات التي توفرها المؤسسة والدولة، وتوخي العدل والإنصاف إزاء الطلاب والطالبات والمساواة في المعاملة بالنسبة للطلاب من جميع الأجناس والديانات….

ومما سبق يتضح أن هناك ضرورة مهنية في القيام بالتدريس على نحو فعال، ويمكن فهم ذلك من خلال القيام بالشرح والتوضيح والتدريس للطلاب على أكمل وجه، ودون وجود ما يعيق ذلك. وهذا ما توضحه التوصية فيما يتعلق بتقييم أعضاء هيئة التدريس، إذ تنص المادة (47)، الفقرة (ب) على ” أن يكون الأساس الوحيد للتقييم هو المعايير الأكاديمية للبحث والتعليم وللمهام الأكاديمية أو المهنية الأخرى، كما يحددها الأقران الجامعيون”.

وتنص الفقرة (و) من نفس المادة على ” أن يكون لأعضاء هيئات التدريس في التعليم العالي حق التظلم لدى هيئة محايدة ضد التقييم الذي يرون أنه لا يستند إلى مبرر معقول”.
وبالتالي تقع مسئولية تحديد مدى قيام أعضاء هيئة التدريس بواجباتهم الأكاديمية على ما وصفته التوصية “بالأقران الجامعيين”، ويقصد بذلك أعضاء هيئة التدريس ممن يعهد لهم بالمعرفة الأكاديمية والمهنية الرفيعة، وفي هذه الحالة يكون على مجالس الأقسام بالكليات مهمة تحديد إذا ما كان ارتداء النقاب يؤثر على تدريس بعض المواد أم لا، فالمرجعية هنا يجب أن تكون للمختصين فنيًا بتقييم التدريس والبحث والتعلم، وليس إدارات الجامعات.

خاتمة

إن مؤسسة حرية الفكر والتعبير تؤكد أن حرية الملبس هي أحد أوجه الحرية الشخصية التي كفلها الدستور والقانون، وأن أي تعدٍ عليها يُعد انتهاكًا للدستور وسيادة القانون. كما تؤكد المؤسسة أن سلطة الإدارة -أيًا كانت- في تنظيم المرفق ليست مطلقة، وإنما مُقيدة بما يجعل الهدف منها تنظيم أعمال المرفق والحياة داخله بما لا يتعارض والحقوق الشخصية والمراكز القانونية المكفولة لكافة المرؤوسين.

ولكن؛ ترى المؤسسة ضرورة الأخذ بعين الاعتبار فيما يتعلق بارتداء النقاب أثناء التدريس وجود مواد تحتاج لمعرفة مخارج الألفاظ بشكل جيد مثل؛ أقسام اللغات المختلفة بعدد من الكليات؛ و هو ما يستوجب الرجوع لرأي مجالس الأقسام في مختلف الكليات، لتحديد هذه المواد، وبالتالي تنظيم عملية التدريس وفقًا للمعايير الأكاديمية. وحتى لا يكون قرار جامعة القاهرة أداة لانتهاك حقوق العاملين والمساواة التي فرضها الدستور بينهم.
وتدعو مؤسسة حرية الفكر والتعبير إلى احترام حرية الملبس للطلاب وأعضاء هيئة التدريس، وإلغاء كافة القرارات المقيدة لحرية الملبس التي اتخذتها إدارات الجامعات.

1- ( ق.د في 1/2/1954 ، ق234 ، س7 مجموعة السنة 8 ، بند 294 ، ص 579 )

2- ( ق. د في 8/3/1951 ق2017 س4 مجموعة السنة 5 بند 164 ، ص 699)

3- (د / فاروق عبد البر ، تقدير كفاية العاملين بالخدمة المدنية طبعة 1983 ، ص 242 )

4- جريدة اليوم السابع، الثلاثاء 6 أكتوبر 2015م. http://goo.gl/dxIhwB

5- (حكم محكمة القضاء الإداري في 8/3/1951 ق2017 س4 مجموعة السنة 5 بند 164 ، ص 699).           

6- (د سليمان الطماوي – القضاء الإداري – قضاء الإلغاء ص 774 – 777 ).

7- (ق د في 29/6/1960 ق 1137 ، س13 ).

محتوى المدونة منشور برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 4.0