شهدت الثمانية والأربعون ساعة الماضية هجمة تعد الأشرس والأكثر تنظيما، طالت كافة وسائل الاعلام الخاصة والحكومية في مصر. فعقب انتهاء الرئيس محمد مرسي من إلقاء خطابه للأمة بمناسبة مرور عام على انتخابه رئيسا للجمهورية، مساء الاربعاء الماضي، هذا الخطاب الذي تضمن عبارات مباشرة تعتبر تحريضا وتهديدا صريحا للاعلام، وهو الشئ الذي اعتاده مؤخرا الرئيس والمسؤولين في خطاباتهم الرسمية، ازدادت وتيرة الانتهاكات ضد الاعلام بشكل واضح، لتنذر بتخبط وتحفز ونية مبيتة للسيطرة علي الخطاب الاعلامي خلال الساعات القليلة المتبقية قبل بداية تظاهرات الثلاثين من يونيه والتي تدعو فيها المعارضة لاسقاط الرئيس وحكومته.
فبعد ساعات من انتهاء الخطاب، أمر النائب العام بضبط و احضار الاعلامي ” توفيق عكاشة ” علي إثر البلاغات المقدمة ضده في اليوم نفسه والتي تتهمه ببث اخبار كاذبة من شأنها تكدير السلم العام، و في المساء، تم قطع البثعن القناة أثناء تقديم توفيق عكاشة لبرنامجه “مصر اليوم”.
فى الوقت نفسه، شهد جهاز الإعلام الحكومي “ماسبيرو” انتهاكا آخر وتعديا بالغا دفع بالإعلامي ورئيس معهد الإذاعة والتليفزيون “جمال الشاعر” لتقديم استقالته من برنامج “كلم مصر” الذي يعرض على القناة الثانية بعد أن أبلغه مخرج البرنامج بأن رئيس القناة يرغب في إنهاء الحلقة “فوراً” بسبب إعتراض إدارة ماسبيرو على آراء ضيوف الحلقة التي جاءت في مجملها مُعارضة لسياسات الرئيس والحزب الحاكم.
جدير بالذكر أن الوضع في “ماسبيرو” كان قد أصبح بالفعل تحت سيطرة مؤسسة الرئاسة بعد أن قامت بانتداب مستشار الرئيس لشؤون الإعلام- أحمد عبد العزيز- لمبني الاذاعة و التلفزيون والذي حول المبنى إلى غرفة عمليات يقودها بنفسه، للتأكد من السيطرة التامة على المادة الخبرية التي يتم بثها، قبل إندلاع مظاهرات 30 يونيه.وفى هذا السياق، ذكر العاملون بماسبيرو خلال الشهادات التي أدلوا بها لباحثي مؤسسة حرية الفكر والتعبير، أن مستشار الرئيس وفريق العمل الخاص به باتوا هم المتحكمون الفعليون في مبنى ماسبيرو منذ أحداث جمعة “نبذ العنف”. فغرفة العميات التي أنشأها مستشار الرئيس تتحكم في كل شئ، بدءًا من تحديد قائمة ضيوف البرامج، والتي خلت تقريباً من أي أسماء لرموز وشخصيات المعارضة، وصولاً إلى إختيار ضيوف المداخلات الهاتفية التي يحددها هو شخصياً من خلال التنسيق مع المسؤولين في غرف “الكنترول”، بالإضافة لمراجعة محتوى “السكريبت” الخاص بحلقات البرامج المختلفة.
وفى سياق متصل من الإنتهاكات المدبرة ضد الإعلام، وفي صباح اليوم الثاني لخطاب الرئيس، تلقت بعض القنوات الخاصة خطابا من الهيئة العامة للاستثمار تطالبهم فيه بالالتزام بالموضوعية، وعدم بث الوقائع بصورة مشوهة، واحترام خصوصوية الافراد والمؤسسات وعدم التشهير بهم، وعدم بث مواد تتعارض مع قيم المجتمع ومبادئه واخلاقياته، وعدم الترويج للعنف”. وأكدت الهيئة في خطابها “أن الواجبات الملقاة على عاتق الجهة الإدارية في مواجهة اخلال المشروعات والقنوات الفضائية بضوابط التراخيص الممنوحة لها، لا يتوقف على ثبوت ارتكاب القنوات الفضائية بمعديها ومخرجيها ومقدمي برامجها لجرائم جنائية يتم البت فيها بأحكام جنائية باتة أو نهائية، وإنما العبرة بوقوع المخالفات وفقا لأحكام القوانين واللوائح سواء كانت ادارية او مخالفات لضوابط ومعايير العمل الاعلامي حتى لو لم تكن ترقي الى تكوين جريمة جنائية بالمعنى والحدود والاركان المبينة بكل من قانون العقوبات وقانون الاجراءات الجنائية فلا يغل يد الإدارة عن اتخاذ الاجراء الواجب متى كانت المخالفة متحققة على النحو الذي يتصادم مع حرية التعبير”. كما أوضحت الهيئة في ختام خطابها أنها في حالة انعقاد دائم لمتابعة الأداء الإعلامي للقنوات الفضائية التابعة لها.
تري مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن هذا الخطاب يعتبر تهديدا واضحا لوسائل الإعلام الخاصة، كما أنه يطلق يد الهيئة العامة للإستثمار والمنطقة الحرة العامة الإعلامية في تحديد المخالفات ومعاقبة القنوات وممارسة الرقابة المسبقة على المحتوى الإعلامي. بطريقة تخالف المعايير الأساسية لحرية الإعلام والتي يعتبر تنوع المحتوى الإعلامي أهمها على الإطلاق بما يضمن تمثيل كافة الآراء والتوجهات دون فرض أية قيود.وتأكد المؤسسة، على أن هذه الحملة التي تقودها السلطات المصرية على الإعلام الحكومي والخاص تشكل انتهاك واضح لنص المادة 48 من الدستور المصري التي تقضي بعدم جواز وقف أو مصادرة أو إغلاق وسائل الإعلام إلا بموجب حكم قضائي، والتي أيضاً تحظر فرض أية رقابة على وسائل الإعلام إلا في زمن الحرب أو وقت إعلان التعبئة العامة، وهو ما يؤكد على عدم احترام الرئيس وحكومته لنصوص الدستور الذي خاضوا معركة شرسة ضد أغلب قوى المجتمع المصري لإقراره.
أخيراً، تطالب مؤسسة حرية الفكر والتعبير بإلغاء السلطات العقابية المخولة للهيئة العامة للإستثمار تجاه وسائل الإعلام التي تعمل في نطاق المنطقة الحرة العامة الإعلامية بموجب قانون ضمانات وحوافز الإستثمار رقم 8 لسنة 1997، تلك السلطات التي تتنوع بين التفتيش على القنوات وإيقاف النشاط، وإلغاء التراخيص الممنوحة لها، قد أصبحت بعد وصول الإخوان المسلمين للحكم سيفاً مسلطاً على كل وسيلة إعلامية تنتقد أداء الرئيس وحكومته وحزبه الحاكم.