مؤسسة حرية الفكر والتعبير
لتحميل المذكرة word
[attachment=3]
مذكـــرة بدفــــــاع
كـــلا مــــن
1- مجدي محمد عبد الستار الشافعي متهم
2- محمد حسن السيد الشرقاوى متهم
ضـــــــــــد
النيابة العامة سلطة اتهام
والمحدد لنظرها جلسة 3/10/2009
أولا : انتفاء الركن الشرعي لجريمة صنع وحيازة ونشر وتوزيع مطبوعات منافية للآداب العامة .
تنص المادة 178 من قانون العقوبات على أن \” يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسة الآلاف جنيه ولا تزيد على عشرة الآلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صنع أو حاز بقصد الاتجار أو التوزيع أو الإيجار أو اللصق أو العرض مطبوعات أو مخطوطات أو رسومات أو إعلانات أو صور محفورة أو منقوشة أو رسومات يدوية أو فوتوغرافية أو إشارات رمزية أو غير ذلك من الأشياء أو الصور عامة إذا كانت منافية للآداب العامة \”
ويقصد بالركن الشرعي للجريمة المنسوبة إلى المتهمين ( الصفة غير المشروعة للفعل ) فالقانون لا يعاقب على أفعال صناعة أو حيازة المطبوعات أو الرسومات كأفعال في حد ذاتها ولكنه يجعل من مخالفة هذه الأفعال للآداب العامة جريمة اى أن التكييف القانوني للفعل من حيث كونه مخالفا للآداب العامة أم لا هو ما يحدد جوهر الركن الشرعي للاثم الجنائي المنصوص عليه في المادة 178 من قانون العقوبات ، وبالتالي يستلزم التكييف القانوني في هذا الصدد تحديد ما هو المقصود بالآداب العامة .
– المفهوم القانوني للآداب العامة Les bonnes moeurs .
الآداب العامة بحكم كونها جزءاً من النظام العام تستمد بعض خصائصها من هذا النظام. فقواعد الآداب العامة قواعد نسبية متغيرة تختلف باختلاف المكان والزمان من مجتمع إلى آخر ومن جيل إلى جيل في المجتمع الواحد. فما يعد مخالفاً للآداب في مجتمع ما، قد لا يكون مخالفاً لها في مجتمع آخر. وما يعدّ غير مقبول في المجتمع في حقبة زمنية قد يغدو مقبولاً في حقبة لاحقة ، الأهم في هذا الصدد هو السياق العام الذي يرد فيه هذا الفعل هل يشكل الفعل سياقا في حد ذاته أم هو جزء من سياق اشمل يضم إلى جانب التفاصيل المزعوم مخالفتها للآداب العامة تفاصيل أخرى خاصة إذا كانت هذه التفاصيل الأخرى تناقش مسائل اجتماعية لا غبار عليها من حيث اتساقها مع النظام العام والآداب العامة وهذا يتطلب التفرقة بين الفعل كسياق في حد ذاته والفعل كجزء من سياق اشمل .
– الألفاظ والرسومات كسياق في حد ذاتها .
ورد في وصف النيابة العامة للاتهام المنسوب أن المتهمين صنعا وحازا بقصد الاتجار والتوزيع مطبوعات منافية للآداب العامة وهذا يثير التساؤل هل تشكل رواية مترو بصفحاتها ( المائة ) مطبوع مناف للآداب العامة ؟
إن الأمر ليس فيه مجالا للاجتهاد الشخصي أو الآراء التقديرية بل أن ما يجيب على هذا التساؤل هو طبيعة المطبوعة ذاتها وهل اقتصرت هذه المطبوعة على الألفاظ الواردة في الصفحات ( 8 ، 28 ، 40 ، 50 ، 92 ، 87 ، 59 ) اعتقد انه لو اقتصرت ( رواية مترو ) على الألفاظ الواردة في الصفحات سالفة الذكر ، كان بالامكان الحديث عن أن صناعة وحيازة هذه الرواية يعد مخالفا للآداب العامة ، إذ في هذه الحالة سوف يشكل الفعل المنسوب إلى المتهمين سياقا متكاملا موضوعه الألفاظ والرسومات المؤثمة وليس اى شيء آخر .
– الألفاظ والرسومات كجزء من سياق اشمل .
وهذا هو بيت القصيد في الدعوى الماثلة أمام عدلكم … فماذا تمثل ( رواية مترو ) ؟
رواية مترو هي أول رواية مصرية تروى أحداثها بالرسومات وتدور تلك الأحداث حول شاب متخصص بالبرمجيات يقترب من الإفلاس بسبب نظام السوق القائم على المنافسة غير المتكافئة بين رجال الأعمال أصحاب رؤوس الأموال الضخمة وبين المنتجين الصغار والتي يسحق فيها هؤلاء الصغار فيقرر هذا الشاب بصحبة صديق له سرقة بنك ، وبالفعل يقومان بسرقة مبلغ خمسة ملايين دولار من احد البنوك بمنطقة وسط القاهرة ثم يقومان بإخفاء هذا المبلغ في إحدى محطات المترو ، ثم يحاول البطل وحبيبته الخروج من محطة مترو الأنفاق في إشارة إلى محاولة الخروج من النفق الذي يحاصر المصريين ولا يستطيعون الخروج منه ثم يلقى المؤلف الضوء على عدد من المظاهر السياسية والاجتماعية الخاصة مستعرضا فساد عدد من رجال الأعمال وتسلطهم ونهبهم لثروات البلاد مظهرا الصراع بين طبقات المجتمع وتدمير الطبقات المالكة والغنية للطبقات الفقيرة والكادحة ، كما يتعرض المؤلف إلى قضية قمع الحريات من خلال تناوله لقضية استئجار الحزب الوطني لبلطجية بهدف الاعتداء على المتظاهرين ، وأيضا يتناول المؤلف من خلال شخصية الصحافية وقائع اعتداء الأمن على الصحافيات أثناء تظاهرهن أمام نقابة الصحفيين في 25 مايو 2005 وتمزيقهم لملابسهن وللعلم هذه القضية منظورة أمام المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان ، كذلك شخصية الاسكافي الذي يتحول إلى متسول بسبب مطاردة مصلحة الضرائب له ويشارك في مظاهرات المعارضة السياسية ويتم الاعتداء عليه من قبل أجهزة الأمن ولكنه على الرغم من ذلك يعبر عن مدى سعادته بذلك لأنه خرج من المصيدة على حد قوله في الرواية …….هذه هي وقائع الرواية سواء حذفت منها الألفاظ والرسومات المزعوم منافاتها للآداب العامة أم تم الإبقاء عليها فهذا لا يغير من جوهر الرواية أو مضمونها أو فكرتها الأساسية أو بنيانها الادبى ، فالسياق العام ليس هدفه إثارة غرائز الناس أو تعليمهم بعض الألفاظ الخارجة بل هدفه إلقاء الضوء على جانب مهم من الصراع الاجتماعي السائد في المجتمع وعليه لا يمكن النظر للألفاظ والرسومات المزعوم منافاتها للآداب العامة بمعزل عن هذا السياق وهذه هي الفكرة الرئيسية في تقدير المحكمة لمخالفة الفعل للآداب العامة من عدمه وفى ذلك يقول حكم محكمة شمال القاهرة في الدعوى رقم 3987 لسنة 1985 استئناف شمال القاهرة والذي برئ ساحة المتهم من جريمة حيازة وبيع مطبوعات تحوى ألفاظا ورسوما مخلة بالآداب العامة وهى ( نسخ من كتاب ألف ليلة وليلة ) إن عرض صورة عارية لا جريمة فيه إذا كان الجو الذي يحيط بالعرض جوا علميا أو فنيا يقتضيه أو يبرره ، ولكنه يعتبر انتهاكا للآداب وحسن الأخلاق إذا كان القصد منه اهاجة تطلع ممقوت أو الإثارة الشهوانية ………..ويستكمل الحكم حيثياته بالقول – أن ما استقر في وجدان هذه المحكمة لا يعتبر كتابا في الجنس كما لم يكتب أو يباع بغرض خدش الحياء العام كما ثبت في وجدانها انه متداول بالسوق المصرية كتب عديدة للتراث المطبوع بمعرفة هيئات ودور نشر مصرية وعربية وبعضها حكومية تضمنت من عبارات الغزل الصريح ما يفوق كما ونوعا ما ورد بالكتاب المضبوط وبناء على هذه الحيثيات المتقدمة حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء ببراءة المتهم مما نسب إليه ………
فالمعيار هو أن تحديد اتساق الفعل مع الآداب العامة لا يجب أن يخضع للآراء والانطباعات والمعتقدات الشخصية أو الميول الفردية سواء السياسية أو الدينية أو الفلسفية ، وإنما يجب وزن الفعل في سياقه وملابساته وليس بتجريده من هذا السياق وهذه الملابسات والا عد ذلك خروجا على الموضوعية ، وركوبا لمتن الشطط في انتهاك حرية الإبداع .
ومن هذا المنطلق نستطيع القول بعدم توافر الركن الشرعي لجريمة صناعة وحيازة مطبوعات منافية للآداب العامة المعاقب عليها بنص المادة 178 من قانون العقوبات حيث تنتفي الصفة غير المشروعة للأفعال المنسوبة إلى المتهمين .
ثانيا : الإطار الدستوري لحرية الإبداع .
استقرت المحكمة الدستورية العليا على أن قهر الإبداع يعد عدوانا مباشرا على حرية الراى والتعبير بما مؤداه أن حرية التعبير عن الآراء ونشرها بكل الوسائل المنصوص عليها في المادة 47 من الدستور ، إنما تمثل الإطار العام لحرية الإبداع التي بلورها الدستور بنص المادة 49 بما يحول دون عرقلتها ، بل إنها توفر إنفاذ محتواها ووسائل تشجيعها . ليكون ضمانها التزاماً على الدولة بكل أجهزتها وان الإبداع الادبى هو احد روافد حرية الراى والتعبير ويتمخض في عديد من صوره ــ حتى ما كان منها رمزياً ــ عن قيم وآراء ومعان يؤمن المبدعون بها ويدعون إليها ، ومن ثم كان الإبداع عملاً إنشائياً إيجابياً ، حاملاً لرسالة محددة ، أو ناقلاً لمفهوم معين ، متجاوزا حدود الدائرة التي يعمل المبدع فيها ، كافلاً الاتصال بالآخرين تأثيراً فيهم ، وإحداثاً لتغيير قد لا يكون مقبولاً من بعض فئاتهم . وما ذلك إلا لأن حرية التعبير لا يجوز فصلها عن أدواتها ، وأن وسائل مباشرتها يتعين أن ترتبط بغاياتها ، فلا يعطل مضمونها أحد ، ولا يناقض الأغراض المقصودة من إرسائها . ولا يتصور بالتالي أن يكون الإبداع على خلافها ، إذ هو من مداخلها[1] .
هذا ما استقرت عليه المحكمة الدستورية العليا من العمل الابداعى ليس بالضرورة أن يكون مقبولا من كل فئات المجتمع ، بل تكفل له الحماية القانونية على الرغم من رفض بعض فئات المجتمع لشكل ما من أشكال الإبداع وذلك لان حرية الإبداع من الحريات غير القابلة للتنظيم التشريعي .
ثالثا : عدم دستورية نص المادة 178 من قانون العقوبات لمخالفتها نص المادة 49 من الدستور .
تنص المادة 49 من الدستور على أن \” تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي، وتوفر وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك \”.
– عدم قابلية حرية الإبداع للتنظيم التشريعي .
إن الحقوق والحريات الدستورية تنقسم إلى نوعين …النوع الأول : حقوق وحريات دستورية أحال الدستور تنظيمها إلى المشرع القانوني ونرى ذلك في النصوص الدستورية التي تنتهي عادة بعبارات من قبيل (\”في حدود القانون\” أو \”وفقا لأحكام القانون\” أو \”وفقا للقانون\” أو \”إلا في الأحوال المبينة في القانون\” وهى عبارات تفصح عن رغبة الدستور في إحالة تنظيم ممارسة هذه الحريات إلى المشرع .
أما النوع الثاني من الحقوق والحريات الدستورية فهي غير قابلة للتنظيم التشريعي بشكل مطلق ومثال ذلك ( حرية الإبداع ) فنص المادة 49 من الدستور لم يحيل تنظيم ممارسة المواطنين لحرية الإبداع إلى القانون وهو من النصوص الدستورية النادرة التي نظمها الدستور تنظيما نهائيا. وهى تلك الحريات التي لا يجوز لأي سلطة في الدولة أن تنظمها على خلاف مقتضى النص الدستوري المقرر لها، بما في ذلك سلطة البرلمان ذاته وهى تلك الحريات التي لم تقرن بعبارة في حدود القانون أو وفقا للقانون.
وعليه لا يجوز للمشرع القانوني أن يحد من حرية الإبداع ببعض العبارات والمصطلحات المطاطة التي تحتمل العديد من التاويلات والتفسيرات بما يشكل تضييقا على حرية الإبداع ، وهذا ما تفعله المادة 178 من قانون العقوبات إذ تضع تنظيما لممارسة حرية الإبداع تدخل بعض أشكالها إلى دائرة التجريم وهو ما يعد سقوطا في هوة عدم الدستورية على الرغم من إطلاق الدستور لهذا النوع من الحريات وعدم تقييده لها باى نوع من القيود[2] .
بنــاء عليـــــه
نلتمس الحكم
1- اصليا ببراءة المتهمين مما نسب إليهم .
2- احتياطيا بوقف الدعوى وقفا تعليقيا وإحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للبت في مدى دستورية المادة 178 من قانون العقوبات من عدمه .
دفاع المتهمين
احمد عزت
المحامى
1- المحكمة الدستورية العليا – الطعن رقم 2 – لسنــة 15 – تاريخ الجلسة 04 01 1997 – مكتب فني 8 – رقم الجزء 1 – رقم الصفحة 1 – تم قبول هذا الطعن
– الإسلاميون والتقاضي ضد الفن والإبداع والبحث العلمي رؤية أولية أحمد سيف الإسلام حمد .[2]